وكيف كان فهذه الأخبار إن أمكن توجيهها على وجه لا ينافي ما عرفت ، فهو ، وإلّا فيجب ردّ علمها إلى أهله ؛ فإنّ ظاهرها وجوب الغسل حتّى مع العلم بالضرر بل التلف ، فلو لم يكن فيها إلّا ما أشرنا إليه ـ من حرمة تعريض النفس للهلكة عقلا وشرعا ، وأهمّيّة حفظ النفوس من سائر الواجبات النفسيّة فضلا عن الوضوء أو الغسل الذي جعل الشارع له بدلا اضطراريّا سوّغه أدنى ضرورة ، كما في سائر المقامات ـ كفى به دليلا لعدم جواز العمل بها.
وتوهّم كونه عقوبة للمتعمّد فلا ينافي حكم الشرع والعقل بقبح الإقدام على الهلكة ، كما في الحدود والقصاص ، مدفوع : بأنّ مقتضاه حرمة إيجاد سببه ، وهو الجنابة العمديّة ، وإلّا للزم إباحة إلقاء النفس في المهلكة ، وهو باطل.
مع أنّه لا خلاف ظاهرا في جوازه في الجملة ، بل عن المعتبر دعوى الإجماع عليه (١).
كما يشهد له خبر السكوني «أنّ أبا ذر أتى النبيّ صلىاللهعليهوآله فقال : يا رسول الله هلكت جامعت على غير ماء ، قال : فأمر النبيّ صلىاللهعليهوآله بمحمل فاستترت به ، وبماء فاغتسلت أنا وهي ، ثمّ قال : يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين» (٢).
وخبر إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا إبراهيم عليهالسلام عن الرجل يكون مع أهله في السفر فلا يجد الماء يأتي أهله ، فقال : «ما أحبّ أن يفعل ذلك إلّا أن يكون شبقا أو يخاف على نفسه» قال : يطلب بذلك اللذّة ، فقال : «هو حلال» قلت : فإنّه
__________________
(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٠٨ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣٩٧.
(٢) التهذيب ١ : ١٩٤ / ٥٦١ ، و ١٩٩ ـ ٢٠٠ / ٥٧٨ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ١٢.