رعاية لاحترام الميّت فضلا عن جواز صرفه فيه ، ثمّ التيمّم بعد صيرورته فاقدا للماء ، فإنّ الله تعالى منّ على عباده بأن وسّع عليهم الأمر ، فجعل لهم التراب طهورا ، كما جعل الماء طهورا لأن لا يقعوا في الضيق وكلفة حفظ الماء بتحمّل المشاقّ ومنافيات الأغراض ، فأباح لهم أن يتعمّدوا بالجنابة مع علمهم بعدم إصابة الماء ، كما عرفت عدم الخلاف فيه وشهادة النصّ عليه ، مع أنّ المتأمّل في الأدلّة لا يكاد يرى له خصوصيّة ، وإنّما المناط في جوازه ابتناء أمر التيمّم على التوسعة لا التضييق.
وملخّص الكلام : أنّ الصلاة الواجبة لا تتوقّف إلّا على مطلق الطهور الذي يحصل بالتراب على تقدير فقد الماء ، وإنّما أوجبنا حفظ الماء والتزمنا بحرمة إراقته في الجملة لبعض الأدلّة اللّبّيّة القاصرة عن شمول مثل الفرض ، فليتأمّل.
ويدلّ على المدّعى ـ مضافا إلى ما عرفت ـ صحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران : سأل أبا الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب ، والثاني ميّت ، والثالث على غير وضوء وحضرت الصلاة ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم ، من يأخذ الماء؟ وكيف يصنعون؟ قال : «يغتسل الجنب ، ويدفن الميّت بتيمّم ، وتيمّم الذي هو على غير وضوء ، لأنّ غسل الجنابة فريضة ، وغسل الميّت سنّة ، والتيمّم للآخر جائز» (١) فإنّ مقتضى ما زعموه ـ من إطلاق وجوب الطهارة المائيّة مقدّمة للصلاة التي حضر وقتها ، المقتضي لحرمة البذل على تقدير الكفاية ، ووجوب المبادرة والتملّك في المباح ـ طرح الصحيحة مع صحّتها وعمل الأصحاب بها ؛ لأنّ الماء الموجود معهم إن كان ملكا لأحدهم ،
__________________
(١) الفقيه ١ : ٥٩ ـ ٦٠ / ٢٢٢ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب التيمّم ، ح ١.