ج ـ قال العلامة الطباطبائي (ره) : «وبالجملة معنى كون الرؤيا من الأحاديث ، أنّها من قبيل تصور الأمور للنائم كما يتصور الأنباء والقصص بالتحدي اللفظي ، فهي حديث إما ملكي أو شيطاني أو نفسي كما تقدم ، لكم الحق أنّها من أحاديث النفس بالمباشرة ، وسيجيء إستيفاء البحث في ذلك إن شاء الله تعالى. هذا لكن الظاهر المتحصل من قصته عليه السلام المسرودة في هذه السورة أنّ الأحاديث التي عَلّمه الله تعالى تأويلها أعم من أحاديث الرؤيا ، وإنما هي الأحاديث ؛ أعني الحوادث والوقائع التي تتوصر للإنسان أعم من أن تتصور له في يقظة أو منام ، فإنّ بين الحوادث والأصول التي تنشأ هي منها والغايات التي تنتهي إليها إتصالاً لا يسع إنكاره ، وبذلك يرتبط بعضها ببعض ، فمن الممكن أن يهتدي عبد بإذن الله تعالى إلى هذه الروابط فينكشف له تأويل الأحاديث والحقائق التي تنتهي هي إليها. ويؤيده فيما يرجع إلى المنام ما حكاه الله تعالى من بيان يعقوب تأويل رؤيا يوسف عليه السلام ، وتأويل يوسف لرؤيا نفسه ، ورؤيا صاحبيه في السجن ، ورؤيا عزيز مصر وفيما يرجع إلى اليقظة ما حكاه عن يوسف في السجن بقوله : (قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) [يوسف / ٣٧] ، وكذا قوله : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [يوسف / ١٥] ، وسيوافيك توضيحه إن شاء الله تعالى» (٢٥٩).
__________________
(٢٥٩) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين : الميزان في تفسير القرآن ، ج ١١ / ٧٩ ـ ٨١.