الجانب الإعلامي :
إنّ فاكهة المجالس والأندية البشرية ، هي تلك الأحاديث الشايعة بينهم ، المشتملة على ما هو صحيح وما هو باطل ، ولعل من أهم تلك الروافد ما سمعه الناس من القُصّاص ، وذلك فإنّ عامة الناس يشكلون السواد الأعظم ، الذين يولعون بسماع القصاص ، ويتهافتون على مجالسهم ، وإنّ هذه الظاهرة لها جوانبها النافعة المفيدة ، والضارة المؤذية ، ويمكن دراسة هذه الظاهرة من خلال ما يلي :
أولاً ـ تأثير القُصّاص على الناس :
إنّ مهمة القصاص هي الكلام فيما يستحوذ على إعجاب السامعين ، حيث أنّهم يتطلعون دائماً إلى سماع الغريب الجديد. قال ابن قتيبة : «... القصاص ، فإنّهم يميلون وجه العوام إليهم ويستدرون ما عندهم بالمناكير والأكاذيب من الأحاديث ، ومن شأن العوام القعود عند القاص ما كان حديثه عجيباً خارجاً عن نظر العقول ، أو كان رقيقاً يحزن القلوب ويستفرز العيون ...» (١٦٣).
ووصل من سيطرتهم على عقول الناس : «أنّ أم الإمام أبي حنيفة لا تقبل بفتوى ولدها ، ولكنها ترضى بقول قاصٍ يقال له : زرعة» (١٦٤). «وحين حاول الشعبي أن ينكر على أحد القصاصين في بلاد الشام ما يأتي به من ترهات ، قامت عليه العامة تضربه ، ولم يتركه أتباع ذلك القاص ، حتى قال
__________________
(١٦٣) ـ ابن قتيبة ، عبد الله بن مسلم ، تأويل مختلف الحديث / ٢٧٩.
(١٦٤) ـ ابن الجوزي ، عبد الرحمن بن علي : القصاص والمذكرين / ٩٠.