برأي شيخهم نجاة بنفسه» (١٦٥). بل بلغ من إحترامهم وتقديسهم لمجلس القصاص ، أن تخيل البعض : أنّ الكلام أثناء القصص لا يجوز ، كما لا يجوز في خطبة الجمعة ، حتى أعلمه عطاء : أنّ الكلام أثناء القصص لا يضر (١٦٦).
ولعلّ من أهم أسباب بروزهم لعامة الناس ما يلي :
١ ـ إنّ عدداً كبيراً من القصاص إتخذها مهنة يعيش من ورائها ، ولم يكن خوف الله هو الدافع لها عند هؤلاء ، وإنما غدت وسيلة للكسب يسعى صاحبها وراء رزقه ، ولذلك تراه يسارع في إبتغاء مرضاة العامة ، وليس حريصاً على تقويمهم ولا تعليمهم ، حتى أصبح القاص كالمغني الذي لا هَمّ له إلا إطراب السامعين ، وكانوا بعد الإنتهاء من إلقاء قصصهم ، يعمدون إلى إستجداء الناس وسؤالهم العطايا.
٢ ـ تشجيع الولاة والحكام لهم ، حيث كانوا يهتمون بأمر القصاص بصورة واضحة ، ومن نماذج ذلك ما يلي :
أولاً ـ إعطاء الصلاحية لهم للقيام بهذا الدور ، فقد قام به أمثال : تميم الداري (١٦٧) الذي هو في نظر الخليفة الثاني أنّه خير أهل المدينة (١٦٨) ، فكان يقص في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كل جمعة فاستزاده يوماً آخر فزاده ، فلما تولى عثمان زاده يوماً آخر أيضاً (١٦٩). وقيل : إنّ أول من قصّ هو عُبَيْدَة
__________________
(١٦٥) ـ الخطيب ، محمد عجاج : السنة قبل التدوين / ٢١١.
(١٦٦) ـ الصنعاني ، عبد الرزاق بن همام : المصنّف ، ج ٣ / ٣٨٨.
(١٦٧) ـ كان نصرانياً من نصارى اليمن ، أسلم في سنة تسع من الهجرة.
(١٦٨) ـ ابن حجر ، احمد بن علي العسقلاني : الإصابة في تمييز الصحابة ، ج ١ / ٢١٥.
(١٦٩) ـ الصنعاني ، عبد الرزاق بن همام : المصنّف ، ج ٣ / ٢١٩.