ثالثاً ـ الحدث :
يعتبر الحدث في أي قصة رُوحُها الذي يمنحها الحياة والحيوية ، وهو محط الإعتبار فيها ؛ بحيث تجده هو المسيطر ، فالشخصيات حين ترد في القصة لا يُهتم بها لذاتها بل لما سيحدث لها ، وتكون العناية بمواقفها. وقد أثار الدكتور محمد خلف الله في دراسة للفن القصصي في القرآن الكريم ملاحظة جدير بالاهتمام والعناية ؛ لما تلقيه من ضوء على ظاهرة العناية بالحدث في القصة النبوية ، فقد لاحظ أنّ القرآن الكريم وخاصة في عهده الأول لم يكن يعنى بتصوير الشخصيات ، وعزا ذلك ـ وهذا ما يهمنا هنا ـ إلى أنّه هو المذهب السائد في إعتبار قصاص العربية ؛ لأنّ العرب كانوا يهتمون بالحادثة أكثر من إهتمامهم بالبطل ، ويهتمون بالفكرة والرأي أكثر من إهتمامهم بالأشخاص ، وهذا هو الواضح تماماً فيما يروى عن العرب من قصص ، فنجد في (العقد الفريد) بعض هذه النوادر التي وإن تكن إسلامية ، إلا أنّها قد حافظت ـ إلى حد ما ـ على الشكل والصورة في لون من ألوان القصص والنوادر» (١٨).
ويضيف محمد الزير : «ومما يؤكد هذه الملاحظة التي تحمل قدراً كبيراً من المعقولية ، أنّ البيئة التي عاش فيها العربي ، بيئة أحداث تتردد أصداؤها كل يوم في مسامعه ، فهو منذ أن يتفتح وعيه على الحياة ، إلى أن يغمض عينيه في نومة الموت ، وهو يعيش أعنف صور الأحداث ، متمثلة في تلك الحروب التي لا تبقي ولا تذر. مما أعطى هذا العربي وعياً خاصاً (بالحدث) وجعل له مكانة معينة في حسه ونفسه بحيث يزن به الأمور والأشياء ، ويقيمها من خلال تصوره
__________________
(١٨) ـ الزير ، محمد بن حسن : القصص في الحديث النبوي / ٢٤٢ (بتصرف).