رؤوسهم وصدورهم ومناكبهم بساسل من الحديد ، وكم نساء من العرب قد حلقن حلقة الإستدارة ، فيصرخن ويندبن ندبة الثكلى على السبايا ، فكان الناس على ذلك المنوال حتى مضى ثلثا الليل بل أزيد ، فشرع الناس إلى التضرح وبادروا إلى الرجوع إلى منازلهم ، ففي قريب من طلوع الفجر لم يبق في الصحن الشريف أحد ، ولا سراج مشعل ، فبينما النصراني في الحيرة والتفكير فيما شاهد ورأى ، فإذا برجل عظيم الشأن جليل الرتبة قد خرج من الحرم الشريف ، فملأ الصحن الشريف بنور وجهه وسطع نوره إلى السماء ، فجاء إلى أن وقف في آخر الأيوان في قبال المسرجة الكبرى ، وقد حضر عنده شخصان قائمان بغاية الخضوع والخشوع ، ونهاية التأدب ومتمثلا مثول العبد الذليل بين يدي المولى الجليل ، فقال لهما : إئتيا بدفتركما فأتيا بما عندهما من الطرس والدفتر ، فلما نظر إليه قال : ما أجدتما حيث لم تستوفيا في الكتابة فرد الدفتر إليهما ، فارتعدت فرائسهما فقالا : بحقك وبحق من فضلكم أهل البيت على العالمين ، إنا كتبنا كل من كان في الحرم والرواق والإيوان والصحن ، وهكذا كمل من في حرم العباس ورواقه وأبوابه وصحنه وفوق الحجرات وسطحها. فقال لهما ثانياً : إنظر إلى الطرس فناولاه الدفتر فنظر إليه وقال : الأمر كما ذكرت لكما ، فأنتما ما إستوفيتما ، فحلفا كما سبق وقالا : ما قصرنا حتى أنا كتبنا الطفل الرضيع. وقال أحدهما بعد التدبر والتفكر : نعم إنا ما كتبنا هذا الرجل النصراني.
فقال عليه السلام : فلماذا؟ قالا : لكونه كافراً. فقال عليه السلام : سبحان الله أما أحَلّ هو بساحتنا؟