فقال الشيخ للنصراني : قد قضت الضرورة والحاجة بأن تدخل الصحن وتجلس عند المسرجة الكبرى المسماة بالفارسية (بچهل چراغ) لتحرس ما نضع في ذلك المكان من أوعية زادنا ونفقتنا ورماحنا وعصينا ، وجملة أخرى من الحلس والعباء واللباس ونحو ذلك. فإنا لا ننام في هذه الليلة أصلاً بل نكون مع الطائفين والصارخين والضاربين رؤسهم الداقين صدورهم في الحرم الشريف ، وفي حرم العباس ، وفي الصحنين الشريفين.
فجلس النصراني عند هذه الأشياء الموضوعة قدام المسرجة الكبرى ، فلما شاهد النصراني بعد مضي ساعة من الليل ما حضر وحصل في الصحن الشريف ، زعم أنّ القيامة قد قامت ، ونفخ بالصور حيث رفعت من كربلاء مرة واحدة صيحة واحدة وضجة عالية تذهل بها العقول وتدهش بها الألباب ، فكأنّ أرض كربلاء وما فيها من الأبنية والدور ، والقلعة والسور والجدران والحيطان والفضاء والهواء تضج وتبكي ، فكم من مشاعل نصبت فيها ، وكم من أفواج من رجال العجم من الشيوخ والشبان والكهول والصبيان في مقدمهم شبيه جواد الإمام عليه السلام ملطخاً بالدماء ، مشبهاً من كثرة النبال الواقعة به بالقنفذ أو الطير الفتاح الجناح وهم مكثفوا الرؤوس ، يدقون رؤوسهم ويضربون صدورهم بالأكف والأيادي ، ويصيحون صيحة الثكلى ، وكم من أناس بينهم أشباه الأسارى والسبايا النادبات الصارخات ، وهم يحثون التراب والرماد على الرؤوس ، ويأنّون أنّه من قطعت أعضاؤه إربا إربا ، ويقولون : وا إماما وا قتيلا وا حسينا وا شهيدا.
وكم من معشر من أهل بلاد الهند والبربر ينوحون وينحبون نوحه فيها ذوبان شحوم الأمعاء والحوايا ، وكم من جمع عراة حفاة منهم يضربون