(الثالث) ـ من الأقوال في المسألة المذكورة القول بالتحريم في زمن الغيبة ، وهذا القول صريح ابن إدريس وسلار وظاهر المرتضى في أجوبة المسائل الميافارقيات والعلامة في المنتهى وجهاد التحرير والشهيد في الذكرى ، وهؤلاء الثلاثة في غير هذه الكتب المذكورة قد وافقوا أصحاب القول بالتخيير. وأنت خبير بان من عدا الأولين فإن كلامهم في المسألة صار متعارضا فيصير من قبيل ما قيل : تعارضا تساقطا. واما نقل القول به عن الشيخ في الخلاف فهو ليس بصحيح كما لا يخفى على من راجع العبارة المذكورة. واما نقله عن ابى الصلاح فقد بينا آنفا فساده.
ولنذكر في هذا المقام جملة ما وصل إلينا من أدلة أصحاب هذا القول مما ذكره ابن إدريس وغيره وهي ثلاثة :
(الأول) ـ ان وجوب الظهر ثابت بيقين ولا يعدل عنه إلا بيقين مثله فلا تقابله وتزيله صلاة مشكوك فيها ، لان اليقين لا ينقضه الشك ابدا للإجماع ولما رواه زرارة في الصحيح عن الباقر عليهالسلام (١) «ليس ينبغي ان تنقض اليقين بالشك ابدا».
والجواب ـ والله الهادي إلى جادة الصواب ـ ان نقول (أولا) ـ انه ان أراد بالظهر الثابت وجوبها بيقين الفريضة الواجبة عند الظهيرة مقدمة على غيرها ليكون يقينية وجوبها شاملا لجميع الأحوال والأوضاع فيكون متناولا لموضع النزاع ، فنحن قائلون به ولكن لا يجديه نفعا إذ هي بهذا المعنى شاملة لذات الركعتين المفروضتين قبل ان تسن الزيادة وبعدها مع الخطبتين وبدونهما ولذات الأربع ، وتيقن وجوب مفهوم كلى لا ينقض تيقن وجوب جزئي خاص منه إلا بدليل خارج ، والثابت وجوبه بيقين في موضع النزاع ذلك المفهوم الكلى ، والمشكوك فيه خصوصية أحد الفردين : الأربع بدون الخطبة أم الاثنتين معها ، وهما سيان في تعلق الشك بهما ، فأين العدول عن اليقين الى الشك واين نقضه به؟ إذ تيقن وجوب ذلك المفهوم لا ينقضه الشك في أن ذلك الوجوب المحقق بأي الفردين على الخصوص
__________________
(١) الوسائل الباب ٤١ و ٤٤ من النجاسات.