يا أبا الحكم ان أبا عبد شمس صبا (١) الى دين محمد أما تراه لم يرجع إلينا فغدا ابو جهل الى الوليد فقال : يا عم نكست رؤسنا وفضحتنا واشمت بنا عدونا وصبوت الى دين محمد؟! فقال : ما صبوت الى دينه ولكني سمعت كلاما صعبا تقشعر منه الجلود ، فقال له ابو جهل : أخطب هو؟ قال : لا ان الخطب كلام متصل وهذا كلام منثور ولا يشبه بعضه بعضا ، قال : أفشعر هو؟ قال : لا أما انى لقد سمعت اشعار العرب بسيطها ومديدها ورملها ورجزها وما هو بشعر ، قال : فما هو؟ قال : دعني أفكر فيه فلما كان من الغد قالوا له : يا أبا عبد شمس ما تقول فيما قلناه؟ قال : قولوا هو سحر فانه أخذ بقلوب الناس ، فأنزل الله على رسوله صلىاللهعليهوآله في ذلك : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) وانما سمى وحيدا لأنه قال لقريش : أنا أتوحد بكسوة البيت سنة وعليكم في جماعتكم سنة ، وكان له مال كثير وحدائق ، وكان له عشر بنين بمكة وكان له عشرة عبيد عند كل عبد ألف دينار يتجر بها ، وتلك القنطار في ذلك الزمان ، ويقال : ان القنطار جلد ثور مملو ذهبا ، فأنزل الله : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) الى قوله : (صَعُوداً) قال : جبل يسمى صعودا (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) يعنى خلقه الله كيف سواه وعدله (ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ) قال : عبس وجهه (وَبَسَرَ) قال : ألقى شدقه (٢).
١٦ ـ في جوامع الجامع وروى ان الوليد قال لبني مخزوم : والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الانس ولا من كلام الجن ، ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان أعلاه لمثمر وان أسفله لمعذق (٣) وانه يعلو وما يعلى ، فقالت قريش : صبا والله الوليد ، والله ليصبأن قريش ، فقال أبو جهل انا أكفيكموه فقعد اليه حزينا وكلمه بما أحماه ، فقام فأتاهم فقال : تزعمون ان محمدا مجنون فهل رأيتموه يحنق (٤)
__________________
(١) صبا فلان : خرج من دين الى دين آخر.
(٢) الشدق : زاوية الفم من باطن الخدين.
(٣) الطلاوة : الحسن والبهجة والقبول والعذق : النخلة. وأعذق بمعنى أزهر.
(٤) حنق : اغتاظ.