قوله : (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) ، ولا ضعف من هذه الجهة ؛ لأنّ التّذكير ، والتّأنيث باعتبارين».
قال شهاب الدّين : وضعفها عنده من حيث المعنى ، وهو أنّ المقصود الامتنان على الخلق ، فنسبة السقي إلى الله هو الملائم لا نسبته إلى الأنعام.
قوله : (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) يجوز أن تكون «من» للتبعيض ، وأن تكون لابتداء الغاية وعاد الضمير هاهنا على الأنعام مفردا مذكرا.
قال الزمخشريّ : ذكر سيبويه الأنعام في باب ما لا ينصرف في الأسماء المفردة الواردة على أفعال ، كقولهم «ثوب أسمال» ، ولذلك رجع الضمير إليه مفردا ، وأمّا (فِي بُطُونِها) [المؤمنون : ٢١] في سورة المؤمنين ، فلأنّ معناه الجمع ، ويجوز أن يقال في «الأنعام» وجهان :
أحدهما : أن يكون جمع تكسير : «نعم» كأجبال في جبل.
وأن يكون اسما مفردا مقتضيا لمعنى الجمع ، فإذا ذكر ، فكما يذكر «نعم» في قوله : [الرجز]
٣٣٣٤ ـ في كلّ عام نعم يحوونه |
|
يلقحه قوم وينتجونه (١) |
وإذا أنّث ففيه وجهان : أنّه تكسير نعم ، وأنه في معنى الجمع.
قال أبو حيّان : أمّا ما ذكره عن سيبويه ، ففي كتابه في هذا الباب ، ما كان على مثال مفاعل ، ومفاعيل ما نصّه : «وأمّا أجمال ، وفلوس فإنّها تنصرف ، وما أشبهها ؛ لأنّها ضارعت الواحد ، ألا ترى أنك تقول : أقوال ، وأقاويل ، وأعراب ، وأعاريب ، وأيد ، وأياد فهذه الأحرف تخرج إلى مثال : مفاعل ، ومفاعيل كما يخرج إليه الواحد ، إذا كسر الجمع ، وأما مفاعل ، ومفاعيل ، فلا يكسر ؛ فيخرج الجمع إلى بناء غير هذا البناء ؛ لأنّ هذا البناء هو الغاية فلما ضارعت الواحد صرفت».
ثمّ قال : وكذلك الفعول لو كسرت مثل الفلوس ؛ لأن يجمع جمعا لأخرجته إلى فعائل كما تقول : جدود ، وجدائد ، وركوب ، وركائب ، وركاب.
ولو فعلت ذلك بمفاعل ، ومفاعيل ، لم يجاوز هذا البناء ، ويقوي ذلك أنّ بعض العرب تقول : «أتي» للواحد فيضم الألف ، وأمّا أفعال ؛ فقد تقع للواحد ، من العرب من يقول : «هو الأنعام» ، قال ـ الله عزوجل ـ : (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ). وقال أبو الخطّاب :
__________________
(١) البيت لقيس بن حصين الحارثي.
ينظر : الكتاب ١ / ٦٥ ، الخزانة ١ / ١٩٦ ، اللسان (نعم) ، العيني ١ / ٥٢٨ ، إعراب القرآن للنحاس ٢ / ٤٠٢ ، الإنصاف ١ / ٦٢ ، مجاز القرآن ١ / ٣٦٢ ، المخصص ١٧ / ١٩ ، الكشاف ٢ / ٦١٥ ، الطبري ١٤ / ١٣٢ ، التهذيب ١٣ / ١٣ ، حاشية الشهاب ٥ / ٣٤٦ البحر المحيط ٥ / ٤٩٣ ، الدر المصون ٤ / ٣٤٢.