سمعت من العرب من يقول : هذا ثوب أكياش.
قال : والذي ذكره سيبويه (١) : هو الفرق بين مفاعل ومفاعيل ، وبين أفعال وفعول وإن كان الجميع أبنية للجمع من حيث إنّ مفاعل ، ومفاعيل لا يجمعان ، وأفعال وفعول قد يخرجان إلى بناء شبه مفاعل ، أو مفاعيل فلما كانا قد يخرجان إلى ذلك انصرفا ، ولم ينصرف «مفاعل» و«مفاعيل» لشبه ذينك بالمفرد من حيث إنّه يمكن جمعها وامتناع هذين من الجمع ، ثمّ قوي شبههما بالمفرد بأن بعض العرب يقول في «أتى» «أتى» بضم الهمزة ، يعني أنه قد جاء نادرا فعول ، من غير المصدر للمفرد ، وبأن بعض العرب قد يوقع أفعالا للمفرد من حيث أفرد الضمير فيقول : هو الأنعام ، وإنّما ذلك على سبيل المجاز ؛ لأنّ الأنعام في معنى النعم والنّعم يفرد ؛ كما قال الشاعر : [الوافر]
٣٣٣٥ ـ تركنا الخيل والنّعم المفدّى |
|
وقلنا للنّساء بها : أقيمي (٢) |
ولذلك قال سيبويه : «وأمّا أفعال فقد يقع للواحد» فقوله : «قد يقع للواحد» دليل على أنه ليس ذلك بالوضع ، فقول الزمخشريّ : «إنّه ذكره في الأسماء المفردة على أفعال» تحريف في اللفظ ، وفهم عن سيبويه ما لم يرده ، ويدلّ على ما قلناه : أنّ سيبويه حين ذكر أبنية الأسماء المفردة نص على أنّ أفعالا ليس من أبنيتها.
قال سيبويه في باب ما لحقته الزّيادة من بنات الثلاثة : «وليس في الكلام أفعيل ، ولا أفعول ، ولا أفعال ، ولا أفعيل ، ولا أفعال إلا أن تكسّر عليه اسما للجمع» ، قال : «فهذا نصّ منه على أنّ أفعالا لا يكون في الأسماء المفردة».
قال شهاب الدّين (٣) : الّذي ذكره الزمخشريّ ، وهو ظاهر عبارة سيبويه ، وهو كاف في تسويغ عود الضمير مفردا ، وإن كان أفعالا قد يقع موقع الواحد مجازا ، فإنّ ذلك ليس بصائر فيما نحن بصدده ، ولم يحرّف لفظه ، ولم يفهم عنه غير مراده لما ذكرناه من هذا المعنى الذي قصده.
وقيل : إنّما ذكر الضمير ؛ لأنه يعود على البعض ، وهو الإناث ؛ لأنّ الذّكور لا ألبان لها ، والعبرة إنّما هي في بعض الأنعام.
وقال الكسائي ـ رحمهالله ـ : «أي في بطون ما ذكر».
قال المبرّد : وهذا سائغ في القرآن ، قال تعالى : (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) [عبس : ١١ ، ١٢] ، أي : هذا الشيء الطّالع ، ولا يكون هذا إلّا في التّأنيث المجازي.
__________________
(١) ينظر : الكتاب ٢ / ١٦.
(٢) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور ٢ / ٣٩٦ ، المقرب ١ / ٣٠٣ ، روح المعاني ١٤ / ١٧٦ ، الدر اللقيط بهامش البحر ٥ / ٥٠٨ ، البحر المحيط ٥ / ٤٩٣ ، الألوسي ١٤ / ١٧٦ ، الدر المصون ٤ / ٣٤٢.
(٣) ينظر : الدر المصون ٤ / ٣٤٢.