بأنعم الله ، فكلّ هذه الصّفات وإن أجريت بحسب اللفظ على القرية ، إلا أن المراد في الحقيقة أهل القرية ، فلذلك قال : (بِما كانُوا يَصْنَعُونَ).
قوله : «والخوف» العامة على جرّ «الخوف» نسقا على «الجوع» ، وروي عن أبي عمرو نصبه ، وفيه [أوجه](١) :
أحدها : أنه يعطف على «لباس».
الثاني : أنه يعطف على موضع الجوع ؛ لأنه مفعول في المعنى للمصدر ، التقدير أي : ألبسهم الجوع والخوف ، قاله أبو البقاء.
وهو بعيد ؛ لأن اللباس اسم ما يلبس وهو استعارة بليغة.
الثالث : أن ينتصب بإضمار فعل ؛ قاله أبو الفضل الرّازي.
الرابع : أن يكون على حذف مضاف ، أي : ولباس الخوف ، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، قاله الزمخشري.
ووجه الاستعارة ما قال الزمخشري : «فإن قلت : الإذاقة واللباس استعارتان ، فما وجه صحّتهما والإذاقة المستعارة موقعة على اللباس المستعار فما وجه صحّة إيقاعها عليه؟.
قلت : الإذاقة جرت عندهم مجرى الحقيقة ؛ لشيوعها في البلايا ، والشدائد ، وما يمس الناس منها ، فيقولون : ذاق فلان البؤس والضر وإذاقة العذاب شبّه ما يدرك من أثر الضّرر والألم ، بما يدرك من طعم المرّ والبشع ، وأما اللّباس فقد شبّه به ؛ لاشتماله على اللّابس ما غشي الإنسان ، والتبس به من بعض الحوادث ، وأمّا إيقاع الإذاقة على لباس الجوع والخوف ، فلأنّه لما وقع عبارة عما يغشى منهما ويلابس ؛ فكأنه قيل : فأذاقهم ما غشيهم من الجوع والخوف ، ولهم في هذا طريقان :
أحدهما : أن ينظروا فيه إلى المستعار له ، كما نظروا إليه ههنا ؛ ونحوه قول كثيرة عزّة : [الكامل]
٣٣٦٦ ـ غمر الرّداء إذا تبسّم ضاحكا |
|
غلقت لضحكته رقاب المال (٢) |
استعار الرداء للمعروف ، لأنه يصون عرض صاحبه صون الرّداء لما يلقى عليه ، ووصفه بالغمر الذي هو وصف المعروف والنّوال لا وصف الرداء ؛ نظرا إلى المستعار له.
والثاني : أن ينظر فيه إلى المستعار ؛ كقوله : [الوافر]
__________________
(١) في أ: وجهان.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٣١ ، البيضاوي بهامش زاده ٣ / ٢٠٣ ، شروح التلخيص ٤ / ١٢٩ ، اللسان (ردى) ، معاهد التنصيص ٢ / ١٤٩ ، البحر ٥ / ٥٢٥ التهذيب ٨ / ١٢٨ ، الخصائص ٢ / ١٤٤٥ ، روح المعاني ١٤ / ٢٤٣ ، الدر المصون ٤ / ٣٦٣.