الذي ، والتقدير : لما تصفه ، ذكر ذلك الحوفي وأبو البقاء رحمهماالله تعالى.
الرابع : أن ينتصب بإضمار أعني ؛ ذكره أبو البقاء ، ولا حاجة إليه ولا معنى عليه.
وقرأ (١) الحسن ، وابن يعمر ، وطلحة : «الكذب» بالخفض ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه بدل من الموصول ، أي : ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب ، أو للذي تصفه ألسنتكم الكذب ، جعله نفس الكذب ؛ لأنّه هو.
والثاني : ـ ذكره الزمخشري ـ : أن يكون نعتا ل «ما» المصدرية.
ورده أبو حيّان : بأن النّحاة نصّوا على أن المصدر المنسبك من «أن» والفعل لا ينعت ؛ لا يقال : يعجبني أن تخرج السريع ، ولا فرق بين باقي الحروف المصدرية وبين «أن» في النّعت.
وقرأ ابن أبي عبلة ، ومعاذ بن جبل ـ رحمهماالله (٢) ـ : بضمّ الكاف والذّال ، ورفع الباء صفة للألسنة ، جمع كذوب ؛ كصبور وصبر ، أو جمع كاذب ، كشارف وشرف ، أو جمع كذّاب ؛ نحو «كتّاب وكتب» ، وقرأ مسلمة (٣) بن محارب فيما نقله ابن عطيّة كذلك ، إلا أنه نصب الباء ، وفيه ثلاثة أوجه ذكرها الزمخشري :
أحدها : أن تكون منصوبة على الشّتم ، يعني : وهي في الأصل نعت للألسنة ؛ كما في القراءة قبلها.
الثاني : أن تكون بمعنى الكلم الكواذب ، يعني : أنها مفعول بها ، والعامل فيها إما «تصف» ، وإمّا القول على ما مرّ ، أي : لا تقولوا الكلم الكواذب أو لما تصف ألسنتكم الكلم الكواذب.
الثالث : أن يكون جمع الكذاب ، من قولك : كذب كذابا ، يعني : فيكون منصوبا على المصدر ؛ لأنه من معنى وصف الألسنة ، فيكون نحو : كتب في جمع كتاب.
وقد قرأ الكسائي (٤) : «ولا كذابا» بالتخفيف ، كما سيأتي في سورة النبأ إن شاء الله ـ تعالى ـ.
واعلم أن قوله : (تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ) من فصيح الكلام وبليغه ، كأن ماهيّة الكذب وحقيقته مجهولة ، وكلامهم الكذب يكشف عن حقيقة الكذب ، ويوضّح ماهيته ، وهذه مبالغة في وصف كلامهم بكونه كذبا ؛ ونظيره قول أبي العلاء المعريّ : [الوافر]
٣٣٧١ ـ سرى برق المعرّة بعد وهن |
|
فبات برامة يصف الكلالا (٥) |
__________________
(١) ينظر : الإتحاف ٢ / ١٩٠ ، المحتسب ٢ / ١٢ ، والقرطبي ١٠ / ١٢٨ ، والبحر ٥ / ٥٢٦ والدر المصون ٤ / ٣٦٤.
(٢) ينظر : المحتسب ٢ / ١٢ ، والقرطبي ١٠ / ١٢٨ ، والبحر ٥ / ٢٧ والدر المصون ٤ / ٣٦٤.
(٣) ينظر : البحر ٥ / ٥٢٧ ، والمحرر ٨ / ٥٣٦ ، والدر المصون ٤ / ٣٦٥.
(٤) ينظر : السبعة ٦٦٩ ، الدر المصون ٤ / ٣٦٥.
(٥) ينظر : الرازي ٢٠ / ١٠٦.