المعنى : إذا سرى ذلك البرق يصف الكلال ، فكذا هاهنا.
فصل
وروى الدّارمي بإسناده عن الأعمش قال : «ما سمعت إبراهيم قط يقول : حلالا ولا حراما ، ولكن كان يقول : كانوا يتكرّهون ، وكان يستحبّون» (١) وقال ابن وهب : قال مالك : لم يكن من فتيا النّاس أن يقولوا : هذا حلال وهذا حرام ، ولكن يقولوا : إيّاكم كذا وكذا ، لم أكن لأصنع هذا (٢) ، ومعنى هذا : أن التّحليل والتّحريم إنّما هو لله ـ عزوجل ـ وليس لأحد أن يقول أو يصرّح بهذا في عين من الأعيان ، إلا أن يكون الباري ـ سبحانه وتعالى ـ فيخبر بذلك عنه ، فأما ما يئول إليه اجتهاده ، فإنه يحرم عليه أن يقول ذلك ، بل يقول : إني أكره كما كان مالك ـ رضي الله عنه ـ يفعل.
قوله : «لتفتروا» في هذه اللّام ثلاثة أوجه :
أحدها : قال الواحدي : إنه بدل من «لما تصف» ؛ لأن وصفهم الكذب هو افتراء [على الله].
قال أبو حيّان : «وهو على تقدير جعل «ما» مصدرية ، أما إذا كانت بمعنى الذي ، فاللّام فيها ليست للتّعليل ، فيبدل منها ما يفهم التعليل ، وإنّما اللام في «لما» متعلّقة ب «لا تقولوا» على حدّ تعلقها في قولك : لا تقولوا لما أحل الله هذا حرام ، أي : لا تسمّوا الحلال حراما ، وكما تقول : لا تقل لزيد : عمرو أي : لا تطلق عليه هذا الاسم».
قال شهاب الدين : وهذا وإن كان ظاهرا ، إلا أنه لا يمنع من إرادة التعليل وإن كانت بمعنى الذي.
الثاني : أنها للصّيرورة ؛ إذ لم يفعلوه لذلك الغرض ؛ لأن ذلك الافتراء ما كان غرضا لهم.
والمعنى : أنهم كانوا ينسبون ذلك التحريم والتحليل إلى الله ـ تعالى ـ ويقولون : إن الله أمرنا بذلك.
قال ابن الخطيب : فعلى هذا تكون لام العاقبة ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨].
الثالث : أنها للتعليل الصريح ، ولا يبعد أن يصدر عنهم مثل ذلك. ثم إنّه ـ تعالى ـ أوعد المفترين فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) ثم بيّن أن ما هم فيه من [متاع](٣) الدنيا يزول عنهم عن قرب ، فقال : (مَتاعٌ قَلِيلٌ) قال الزجاج : معناه : متاعهم
__________________
(١) أخرجه الدارمي في «سننه» (١ / ١٦٤) عن الأعمش.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٠ / ١٢٩).
(٣) في ب : نعيم.