بضدّ المأمور به ، فكونه فسقا ينافي كونه مأمورا به ، كما أنّ كونها معصية ينافي كونها مأمورا بها ؛ فوجب أن يدلّ هذا اللفظ على أنّ المأمور به ليس بفسق ، وهذا في غاية الظهور.
الوجه الثاني : أنّ «أمرنا» بمعنى كثّرنا قال الواحديّ : العرب تقول : أمر القوم : إذا أكثروا. ولم يرض به الزمخشريّ في ظاهر عبارته ، فإنه قال : وفسّر بعضهم «أمرنا» ب «كثّرنا» وجعله من باب : «فعّلته ، ففعل» ك «ثبّرته فثبر». وفي الحديث : «خير المال سكّة مأبورة ، ومهرة مأمورة» (١) ، أي : كثيرة النّتاج. وقد حكى أبو حاتم هذه اللغة ، يقال : أمر القوم ، وأمرهم الله ، ونقله الواحديّ عن أهل اللغة ، وقال أبو عليّ : «الجيّد في «أمرنا» أن يكون بمعنى كثّرنا» واستدلّ أبو عبيدة (٢) بما جاء في الحديث ، فذكره ؛ يقال : أمر الله المهرة ، أي : كثّر ولدها ، قال : «ومن أنك ر «أمر الله القوم» أي : كثّرهم [لم يلتفت إليه ؛ لثبوت ذلك لغة» ويكون ممّا لزم وتعدى بالحركة المختلفة ؛ إذ يقال : أمر القوم ، كثروا ، وأمرهم الله : كثّرهم] ، وهو من باب المطاوعة : أمرهم الله ، فأتمروا ، كقولك : شتر الله عينه ، فشترت ، وجدع أنفه فجدع ، وثلم سنّه ، فثلمت.
وقرأ (٣) الحسن ، ويحيى بن يعمر ، وعكرمة : «أمرنا» بكسر الميم ؛ بمعنى «أمرنا» بالفتح ، حكى أبو حاتم ، عن أبي زيد : أنه يقال : «أمر الله [ماله ،] وأمره» بفتح الميم وكسرها ، وقد ردّ الفراء (٤) هذه القراءة ، ولا يلتفت لردّه ؛ لثبوتها لغة بنقل العدول ، وقد نقلها قراءة عن ابن عبّاس أبو جعفر ، وأبو الفضل الرازيّ في «لوامحه» فكيف تردّ؟.
وقرأ عليّ بن أبي طالب ، وابن أبي إسحاق وأبو رجاء ـ رضي الله عنهم ـ في آخرين «آمرنا» بالمدّ ، ورويت هذه قراءة عن ابن كثير (٥) وأبي عمرو ، وعاصم ونافع ، واختارها يعقوب ، والهمزة فيه للتعدية.
وقرأ عليّ أيضا ، وابن عباس ، وأبو عثمان النهديّ : «أمرنا» بالتشديد ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنّ التضعيف للتعدية ، عدّاه تارة بالهمزة ، وأخرى بتضعيف العين ، كأخرجته وخرّجته.
والثاني : أنه بمعنى جعلناهم أمراء ، واللازم من ذلك «أمّر» قال الفارسي : «لا وجه
__________________
(١) أخرجه أحمد (٣ / ٤٦٨) والبغوي في «شرح السنة» (٥ / ٥٣١) عن سويد بن هبيرة مرفوعا.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٥ / ٢٠٨) وقال : رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات.
(٢) ينظر : مجاز القرآن ١ / ٣٧٣.
(٣) ينظر : السبعة ٣٧٩ ، الشواذ ٧٩ ، الإتحاف ٢ / ١٩٥ ، المحتسب ٢ / ١٥ ، والنشر ٢ / ٣٠٦.
(٤) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١١٩.
(٥) ينظر : السبعة ٣٧٩.