تقدير جيد ، وقال الزمخشري في تقديره : «كلّ واحد من الفريقين [نمدّ]». قال أبو حيان : «كذا قدّره الزمخشري ، وأعربوا «هؤلاء» بدلا من «كلّا» ولا يصح أن يكون بدلا من «كل» على تقدير : كلّ واحد ؛ لأنّه إذ ذاك بدل كلّ من بعض ، فينبغي أن يكون التقدير : كلّ الفريقين».
و«من عطاء» متعلّق ب «نمدّ» والعطاء اسم مصدر واقع موقع اسم المفعول.
والمحظور : الممنوع ، وأصله من الحظر ، وهو : جمع الشيء في حظيرة ، والحظيرة : ما يعمل من شجر ونحوه ؛ لتأوي إليه الغنم ، والمحتظر : من يعمل الحظيرة.
فصل
قال القفال (١) ـ رحمهالله ـ : هذه الآية داخلة في معنى قوله : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) : ومعناه : أن العمّال في الدنيا قسمان :
منهم من يريد بعمله الدنيا والرياسة ، فهذا يأنف من الانقياد للأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ، والدخول في طاعتهم ؛ خوفا من زوال الرّياسة عنهم ، فهذا قد جعل طائر نفسه شؤما ؛ لأنه في قبضة الله ؛ فيؤتيه الله في الدنيا منها قدرا لا كما يشاء ذلك الإنسان ، بل كما يشاء الله. بل إن عاقبته جهنّم يدخلها فيصلاها بحرّها مذموما ملوما ، مدحورا مطرودا من رحمة الله.
وفي لفظ هذه الآية فوائد :
أحدها : أنّ العقاب (٢) عبارة عن مضرّة مقرونة بالإهانة بشرط أن تكون دائمة خالية عن المنفعة.
وثانيها : أن من الجهّال من إذا ساعدته الدنيا اغترّ بها ، وظنّ أن ذلك لأجل كرامته على الله ـ تعالى ـ فبيّن ـ تعالى ـ بهذه الآية أن مساعدة الدنيا لا ينبغي أن يستدلّ بها على رضا الله تعالى لأنّ الدنيا قد تصلح مع أنّ عاقبتها المصير إلى العذاب والإهانة ، فهذا الإنسان أعماله تشبه طائر السّوء في لزومها له ، وكونها سائقة له إلى أشدّ العذاب.
وثالثها : قوله : (لِمَنْ نُرِيدُ) يدلّ على أنّه لا يحصل الفوز بالدنيا لكلّ أحد ، بل كثير من الكفّار يعرضون عن الدّين في طلب الدنيا ، ثم يبقون محرومين عن الدنيا ، وعن الدّين ، فهؤلاء هم الأخسرون أعمالا الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
وأما القسم الثاني : وهو قوله تعالى : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ).
فشرط تعالى فيه ثلاثة شروط :
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢٠ / ١٤٢.
(٢) في أ: الخطاب.