أحدها : أن يريد بعمله الآخرة أي : ثواب الآخرة ، فإنه إن لم ينو ذلك ، لم ينتفع بذلك العمل ؛ لقوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٧] وقوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «إنّما الأعمال بالنّيّات».
والثاني : قوله جلّ ذكره : (وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ) ، وذلك يقتضي أن يكون ذلك العمل من باب القرب والطّاعات ، وكثير من الضّلال يتقرّبون بعبادة الأوثان ، ولهم فيها تأويلان :
أحدهما : أنهم يقولون : إله العالم أجلّ وأعظم من أن يقدر الواحد منّا على إظهار عبوديته ، وخدمته ، ولكن غاية قدرتنا أن نشتغل بعبوديّة بعض المقربين من عباد الله ، مثل أن نشتغل بعبادة الكواكب ، أو ملك من الملائكة ، ثمّ إنّ الملك أو الكواكب يشتغلون بعبادة الله ـ تعالى ـ.
فهؤلاء يتقرّبون إلى الله ـ تعالى ـ بهذا الطريق ، وهذه طريق فاسدة ، فلا جرم لم ينتفع بها.
والتأويل الثاني : أنّهم قالوا : اتخذنا هذه التماثيل على صور الأنبياء والأولياء ، والمراد من عبادتها أن يصير أولئك الأنبياء والأولياء شفعاءنا عند الله ـ تعالى ـ ، وهذا الطريق أيضا فاسد ؛ فلا جرم لم ينتفع بها.
وأيضا : نقل عن الجنيد أنّهم يتقرّبون إلى الله ـ تعالى ـ بقتل أنفسهم تارة ، وبإحراق أنفسهم أخرى ، وهذا الطريق أيضا فاسد ، فلا جرم لم ينتفع بها ، وكذا القول في جميع فرق المبطلين الذين يتقرّبون إلى الله ـ تعالى ـ بمذاهبهم الباطلة.
والشرط الثالث : قوله تعالى : (وَهُوَ مُؤْمِنٌ).
وهذا الشرط معتبر ؛ لأنّ الشرط في كون أعمال البرّ موجبة للثواب هو الإيمان ، فإذا لم يوجد ، لم يحصل المشروط ، ثمّ إنّه ـ تعالى ـ أخبر أنّ عند حصول هذه الشرائط يصير السعي مشكورا ، والعمل مبرورا.
واعلم أن الشّكر عبارة عن مجموع أمور ثلاثة :
اعتقاد كونه محسنا في تلك الأعمال ، والثناء عليه بالقول ، والإتيان بأفعال تدلّ على كونه معظما عند ذلك الشّاكر ، والله ـ تعالى ـ يعامل المطيعين بهذه الأمور الثلاثة ، فإنّه تعالى عالم بكونهم محسنين في تلك الأعمال ، وإنه تعالى يثني عليهم بكلامه ؛ وإنّه تعالى يعاملهم بمعاملة دالّة على كونهم مطيعين عند الله ـ تعالى ـ.
وإذا كان مجموع هذه الثلاثة حاصلا ، كانوا مشكورين على طاعتهم من قبل الله ـ تعالى ـ
يروى في كتب المعتزلة : أنّ جعفر بن حرب حضر عنده رجل (١) من أهل السنّة ،
__________________
(١) في أ: واحد.