والفعل هنا مسند إلى «أحدهما» وليس مثنّى ، ولا مفرّقا بالعطف بالواو.
الثالث : نقل عن الفارسي أن «كلاهما» توكيد ، وهذا لا بد من إصلاحه بزيادة ، وهو أن يجعل «أحدهما» بدل بعض من كلّ ، ويضمر بعده فعل رافع لضمير تثنية ، ويقع «كلاهما» توكيدا لذلك الضمير تقديره : أو يبلغا كلاهما ، إلا أنه فيه حذف المؤكد وإبقاء التوكيد ، وفيها خلاف ، أجازها الخليل وسيبويه (١) نحو : «مررت بزيد ، ورأيت أخاك أنفسهما» بالرفع والنصب ، فالرفع على تقدير : هما أنفسهما ، والنصب على تقدير أعينهما أنفسهما ، ولكن في هذا نظر ؛ من حيث إنّ المنقول عن الفارسي منع حذف المؤكّد وإبقاء توكيده ، فكيف يخرّج قوله على أصل لايجيزه؟.
وقد نصّ الزمخشريّ على منع التوكيد ، فقال : «فإن قلت : لو قيل : «إمّا يبلغان كلاهما» كان «كلاهما» توكيدا لا بدلا ، فما لك زعمت أنه بدل؟ قلت : لأنه معطوف على ما لا يصحّ أن يكون توكيدا للاثنين ، فانتظم في حكمه ؛ فوجب أن يكون مثله» قلت : يعني أنّ «أحدهما» لا يصلح أن يكون توكيدا للمثنى ، ولا لغيرهما ، فكذا ما عطف عليه ؛ لأنه شريكه.
ثم قال : «فإن قلت : ما ضرّك لو جعلته توكيدا مع كون المعطوف عليه بدلا ، وعطفت التوكيد على البدل؟ قلت : لو أريد توكيد التثنية ، لقيل : «كلاهما» فحسب ، فلما قيل : «أحدهما أو كلاهما» علم أنّ التوكيد غير مراد ، فكان بدلا مثل الأول».
الرابع : أن يرتفع «كلاهما» بفعل مقدر تقديره : أو يبلغ كلاهما ، ويكون «أحدهما» بدلا من ألف الضمير بدل بعض من كلّ ، والمعنى : إمّا يبلغنّ عندك أحد الوالدين أو يبلغ كلاهما.
قال البغويّ (٢) ـ رحمهالله ـ فعلى قراءة حمزة والكسائي قوله : «أحدهما أو كلاهما» كلام مستأنف ؛ كقوله تعالى : (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) [المائدة : ٧١] وقوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنبياء : ٣] فقوله : (الَّذِينَ ظَلَمُوا) ابتداء.
وأما القراءة الثانية فواضحة ، و«إمّا» هي «إن» الشرطية زيدت عليها «ما» توكيدا ، فأدغم أحد المتقاربين في الآخر بعد أن قلب إليه ، وهو إدغام واجب ، قال الزمخشريّ : «هي إن الشرطية زيدت عليها «ما» توكيدا لها ؛ ولذلك دخلت النون ، ولو أفردت «إن» لم يصحّ دخولها ، لا تقول : إن تكرمنّ زيدا ، يكرمك ، ولكن : إمّا تكرمنّه».
وهذا الذي قاله الزمخشريّ نصّ سيبويه على خلافه ، قال سيبويه (٣) :
وإن شئت ، لم تقحم النون ، كما أنك ، إن شئت ، لم تجىء ب «ما» قال أبو حيّان : «يعني مع النون وعدمها» وفي هذا نظر ؛ لأنّ سيبويه ، إنما نصّ على أنّ نون التوكيد لا
__________________
(١) ينظر : الكتاب ١ / ٢٤٧.
(٢) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١١٠.
(٣) ينظر : الكتاب ٢ / ١٥٢.