فإنّ الأصل : لأن كنت ، فحذفت «كان» ، فانفصل الضمير ، إلّا أنّ هنا عوّض من «كان» «ما» ، وفي [«لو»] لم يعوّض منها.
الثالث : أنّ «أنتم» توكيد لاسم «كان» المقدر معها ، والأص ل «لو كنتم أنتم تملكون» فحذفت «كان» واسمها ، وبقي المؤكّد ، وهو قول ابن فضال المجاشعيّ ، وفيه نظر ؛ من حيث إنّا نحذف ما في التّوكيد ، وإن كان سيبويه يجيزه (١).
وإنما أحوج هذين القائلين إلى ذلك : كون مذهب البصريّين في «لو» أنّه لا يليها إلّا الفعل ظاهرا ، ولا يجوز عندهم أن يليها مضمرا مفسّرا إلّا في ضرورة ، أو ندور ، كقوله : «لو ذات سوار لطمتني» ، فإن قيل : هذان الوجهان أيضا فيهما إضمار فعل ، قيل : ليس هو الإضمار المعنيّ ؛ فإنّ الإضمار الذي أبوه هو على شريطة التفسير في غير «كان» ، وأمّا «كان» فقد كثر حذفها بعد [«لو»] في مواضع كثيرة ، وقد وقع الاسم الصّريح بعد «لو» غير مذكور بعده فعل ؛ وأنشد الفارسيّ : [الرمل]
٣٤٧٤ ـ لو بغير الماء حلقي شرق |
|
كنت كالغصّان بالماء اعتصاري (٢) |
إلا أنه أخرجه على أنه مرفوع بفعل مقدّر يفسّره الوصف من قوله «شرق» ، وقد تقدّم الكلام في «لو». قال أهل المعاني : إنّ التقديم بالذكر يدل على التّخصيص ، فقوله : (لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ) دليل على أنّهم هم المختصّون بهذه الحالة الخسيسة ، والشّحّ الكامل.
واعلم أنّ خزائن رحمة الله غير متناهية ؛ فكان المعنى أنكم لو ملكتم من النّعم خزائن لا نهاية لها ، لتقيمنّ على الشحّ ، وهذه مبالغة عظيمة في وصفهم بهذه الصفة.
قوله : «لأمسكتم» يجوز أن يكون لازما ؛ لتضمنه معنى «بخلتم» وأن يكون متعدّيا ، ومفعوله محذوف ، أي : لأمسكتم المال ، ويجوز أن يكون كقوله (يُحْيِي وَيُمِيتُ) [البقرة : ٢٥٨].
قوله : (خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) فيه وجهان :
أظهرهما : أنه مفعول من أجله.
والثاني : أنه مصدر في موضع الحال ، قاله أبو البقاء ، أي : خاشين الإنفاق ، وفيه نظر ؛ إذ لا يقع المصدر المعرف موقع الحال ، إلا سماعا ؛ نحو : «جهدك» و«طاقتك» ، وكقوله :
٣٤٧٥ ـ وأرسلها العراك ... |
|
........... (٣) |
__________________
ـ والشعر والشعراء ١ / ٣٤١ ، الكتاب ١ / ٢٩٣ ، لسان العرب (خرش) ، (ضبع) ، المقاصد النحوية ٢ / ٥٥ ، الأزهية ص ١٤٧ ، أمالي ابن الحاجب ١ / ٤١١ ، ٤٤٢ ، الإنصاف ١ / ٧١ ، أوضح المسالك ١ / ٢٦٥ ، تخليص الشواهد ص ٢٦٠ ، الجنى الداني ص ٥٢٨ ، جواهر الأدب ١٩٨ ، ٤١٦ ، ٤٢١ ، رصف المباني ص ٩٩ ، ١٠١ ، شرح الأشموني ١ / ١١٩ ، شرح ابن عقيل ص ١٤٩ ، لسان العرب (أما) مغني اللبيب ١ / ٣٥ ، المنصف ٣ / ١١٦ ، همع الهوامع ١ / ٢٣ ، الدر المصون ٤ / ٤٢٢.
(١) ينظر : الكتاب ١ / ٢٤٧.
(٢) تقدم.
(٣) البيت للبيد في ديوانه ص ٨٦ ، وينظر : أساس البلاغة (نغص) ، خزانة الأدب ٣ / ١٩٢ ، شرح أبيات ـ