وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : قوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) [القمر : ١] قال الكفار بعضهم لبعض : إنّ هذا يزعم أنّ القيامة قد قربت فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتّى [ننظر](١) ما هو كائن ، فلما لم ينزل ، قالوا : ما نرى شيئا ، [فنزل قوله تعالى](٢)(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) [الأنبياء : ١] فأشفقوا ، فلما امتدّت الأيام ، قالوا : يا محمد ما نرى شيئا مما تخوّفنا به ، فنزل قوله تعالى (أَتى أَمْرُ اللهِ) فوثب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورفع الناس رءوسهم وظنّوا أنها قد أتت حقيقة ، فنزل قوله (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) فاطمأنّوا (٣).
والاستعجال : طلب الشيء قبل حينه. واعلم أنّه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لمّا كثر تهديده بعذاب الدنيا والآخرة ولم يروا شيئا نسبوه إلى الكذب فأجابهم الله ـ تعالى ـ بقوله (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) وتقرير هذا الجواب من وجهين :
أحدهما : أنه وإن لم يأت العذاب ذلك الوقت إلّا أنه واجب الوقوع ، والشيء إذا كان بهذه الحالة والصّفة فإنه يقال في الكلام المعتاد : إنه قد أتى ووقع إجراء لما يجب وقوعه مجرى الواقع ، يقال لمن طلب الإغاثة وقرب حصولها جاء الفوت.
والثاني : أن يقال : إنّ أمر الله بذلك وحكمه قد أتى وحصل ووقع ، فأمّا المحكوم به فإنّما لم يقع ، لأنّ الله ـ تعالى ـ حكم بوقوعه في وقت معين فلا يخرج إلى الوجود قبل مجيء ذلك الوقت ، والمعنى : أن أمر الله وحكمه بنزول العذاب قد وجد من الأزل إلى الأبد إلّا أنّ المحكوم إنّما لم يحصل ، لأنّه ـ تعالى ـ خصّص حصوله بوقت معيّن (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) قبل وقته ، فكأنّ الكفار قالوا : سلّمنا لك يا محمد صحة ما تقول : من أنّه ـ تعالى ـ حكم بإنزال العذاب علينا إمّا في الدنيا وإمّا في الآخرة ، إلّا أنا نعبد هذه الأصنام لتشفع لنا عند الله فنتخلص من العذاب المحكوم به فأجابهم الله ـ تعالى ـ بقوله (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
قوله : (عَمَّا يُشْرِكُونَ) يجوز أن تكون «ما» مصدرية فلا عائد لها عند الجمهور أي : عن إشراكهم به غيره ، وأن تكون موصولة اسمية.
وقرأ العامة فلا تستعجلوه بالتاء خطابا للمؤمنين أو للكافرين وقرأ ابن جبير بالياء (٤) من تحت عائدا على الكفار أو على المؤمنين.
وقرأ الأخوان (٥) «تشركون» بتاء الخطاب جريا على الخطاب في «تستعجلوه»
__________________
(١) في ب : تنظروا.
(٢) في أ: فأنزل الله تعالى.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٦١) عن ابن عباس وأخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٥٥٦) عن ابن جريج مثله وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٠٥) عن ابن جريج وزاد نسبته إلى ابن المنذر.
(٤) ينظر : الشواذ ٧٢ ، والبحر ٥ / ٤٥٩ ، والدر المصون ٤ / ٣١١ ،
(٥) ينظر : التيسير ١٢١ ، والنشر ٢ / ٢٨٢ ، والإتحاف ٢ / ١٨٠ ، والحجة ٣٨٥ ، والشواذ ٧٢ ، والبحر ٥ / ٤٥٩ ، والدر المصون ٤ / ٣١١.