أحدهما : هو فعل ماض ، و«أمدا» مفعوله. و (لِما لَبِثُوا) نعت له ، قدّم ، فصار حالا ، أو مفعولا له ، أي : لأجل لبثهم ، وقيل : اللام زائدة و«ما» بمعنى «الذي» و«أمدا» مفعول «لبثوا» وهو خطأ ، وإنما الوجه أن يكون تمييزا ، والتقدير : لما لبثوه.
والوجه الثاني : هو اسم ، و«أمدا» منصوب بفعل دلّ عليه الاسم انتهى ، فهذا تصريح بأنّ «أمدا» حال جعله «أحصى» اسما ، ليس بتمييز بل مفعول به بفعل مقدر ، وأنه جعله تمييزا عن «لبثوا» كما رأيت.
ثم قال أبو حيّان : «وأمّا قوله «وإمّا أن ينصب ب «لبثوا» فلا يسدّ عليه المعنى ، أي: لا يكون معناه سديدا ، فقد ذهب الطبريّ إلى أنه منصوب ب «لبثوا» قال ابن عطيّة : «وهو غير متّجه» انتهى ، وقد يتّجه : وذلك أنّ الأمد هو الغاية ، ويكون عبارة عن المدّة من حيث إنّ المدّة غاية هي أمد المدّة على الحقيقة ، و«ما» بمعنى «الذي» و«أمدا» منصوب على إسقاط الحرف ، وتقديره : لما لبثوا من أمد ، أي : من مدة ، ويصير «من أمد» تفسيرا لما أبهم من لفظ «ما» كقوله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) [البقرة : ١٠٦] (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) [فاطر : ٢] ولمّا سقط الحرف ، وصل إليه الفعل».
قال شهاب الدين : يكفيه أنّ مثل ابن عطيّة جعله غير متّجه ، وعلى تقدير ذلك ، فلا نسلّم أنّ الطبري عنى نصبه ب «لبثوا» مفعولا به ، بل يجوز أن يكون عنى نصبه تمييزا ؛ كما قاله أبو البقاء.
ثم قال : وأمّا قوله : فإن زعمت إلى آخره ، فنقول : لا يحتاج إلى ذلك ؛ لأنّ لقائل ذلك أن يذهب مذهب الكوفيين في أنّه ينصب «القوانس» بنفس «أضرب» ولذلك جعل بعض النحاة أنّ «أعلم» ناصب ل «من» في قوله : (أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُ) [الأنعام : ١١٧] ، وذلك لأنّ أفعل مضمّن لمعنى المصدر ؛ إذ التقدير : «يزيد ضربنا القوانس على ضرب غيرنا».
قال شهاب الدين : هذا مذهب مرجوح ، وأفعل التفضيل ضعيف ، ولذلك قصر عن الصفة المشبهة باسم الفاعل ؛ حيث لم يؤنّث ، ولم يثنّ ، ولم يجمع.
وإذا جعلنا «أحصى» اسما فجوّز أبو حيان في «أي» أن تكون الموصولة ، و«أحصى» خبر لمبتدأ محذوف ، هو عائدها ، وأنّ الضمة للبناء على مذهب سيبويه (١) لوجود شرط البناء ، وهو إضافتها لفظا ، وحذف صدر صلتها ، وهذا إنما يكون على جعل العلم بمعنى العرفان ؛ لأنّه ليس في الكلام إلا مفعول واحد ، وتقدير آخر لا حاجة إليه ، إلا أنّ في إسناد «علم» بمعنى عرف إلى الله تعالى إشكالا تقدّم تحريره في الأنفال وغيرها ، وإذا جعلناه فعلا ، امتنع أن تكون موصولة ؛ إذ لا وجه لبنائها حينئذ ، وهو حسن.
__________________
(١) ينظر : الكتاب ١ / ٣٩٧ ـ ٣٩٨.