والوجه الثاني : أن يكون «أحصى» فعلا ماضيا [أي : أيهم ضبط أمدا لأوقات لبثهم](١) و«أمدا» مفعوله ، و (لِما لَبِثُوا) متعلق به ، أو حال من «أمدا» أو اللام فيه مزيدة ، وعلى هذا : ف «أمدا» منصوب ب «لبثوا» و«ما» مصدريّة ، أو بمعنى «الذي» واختار الأول ـ أعني كون «أحصى» للتفضيل ـ الزجاج (٢) والتبريزيّ ، واختار الثاني أبو عليّ والزمخشريّ وابن عطيّة ، قال الزمخشري : «فإن قلت : فما تقول فيمن جعله من أفعل التفضيل؟ قلت : ليس بالوجه السديد ، وذلك أن بناءه من غير الثلاثيّ ليس بقياس ، ونحو «أعدى من الجرب» و«أفلس من ابن المذلّق» شاذّ ، والقياس على الشاذّ في غير القرآن ممتنع ، فكيف به؟ ولأنّ «أمدا» : إمّا أن ينتصب بأفعل ، وأفعل لا يعمل ، وإمّا أن ينتصب ب «لبثوا» فلا يسدّ عليه المعنى ، فإن زعمت أني أنصبه بفعل مضمر ، كما أضمر في قوله :
٣٤٩٠ ـ ........... |
|
وأضرب منّا بالسّيوف القوانسا (٣) |
فقد أبعدتّ المتناول ؛ حيث أبيت أن يكون «أحصى» فعلا ، ثم رجعت مضطرا إلى تقديره».
وناقشه أبو حيان فقال : «أمّا دعواه أنّه شاذّ ، فمذهب سيبويه خلافه ، وذلك أنّ أفعل فيه ثلاثة مذاهب : الجواز مطلقا ، ويعزى لسيبويه (٤) ، والمنع مطلقا ، وهو مذهب الفارسيّ ، والتفصيل : بين أن يكون همزته للتعدية ، فيمتنع ، وبين ألّا تكون ، فيجوز ، وهذا ليست الهمزة فيه للتعدية ، وأما قوله : «أفعل لا يعمل» فليس بصحيح ؛ لأنه يعمل في التمييز ، و«أمدا» تمييز لا مفعول به ، كما تقول : زيد أقطع النّاس سيفا ، وزيد أقطع للهام سيفا».
فصل
قال شهاب الدين : الذي أحوج الزمخشريّ إلى عدم جعله تمييزا ، مع ظهوره في بادىء الرأي عدم صحّة معناه ، وذلك : أنّ التمييز شرطه في هذا الباب : أن تصحّ نسبة ذلك الوصف الذي قبله إليه ، ويتّصف به ؛ ألا ترى إلى مثاله في قوله : «زيد أقطع النّاس سيفا» كيف يصحّ أن يسند إليه ، فيقال : زيد قطع سيفه ، وسيفه قاطع ، إلى غير ذلك ، وهنا ليس الإحصاء من صفة الأمد ، ولا تصحّ نسبته إليه ، وإنّما هو من صفات الحزبين ، وهو دقيق.
وكان أبو حيان نقل عن أبي البقاء نصبه على التمييز ، وأبو البقاء لم يذكر نصبه على التمييز حال جعله «أحصى» أفعل تفضيل ، وإنما ذكر ذلك حين ذكر أنه فعل ماض ، قال أبو البقاء (٥) : في أحصى وجهان :
__________________
(١) زيادة من ب.
(٢) ينظر : معاني القرآن للزجاج ٣ / ٢٧.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر : الكتاب ١ / ٣٧.
(٥) ينظر : الإملاء ٢ / ٩٩.