اختلفوا : فالذين جوّزوا الكذب على أهل القيامة قالوا : إنّ قولهم : (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) لغاية الخوف ، والّذين لم يجوّزوا الكذب عليهم قالوا : المعنى : ما كنّا نعمل من سوء عند أنفسنا وفي اعتقادنا ، وقد تقدّم الكلام في قوله الأنعام : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] هل يجوز الكذب على أهل القيامة ، أم لا؟.
وقوله : (بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يحتمل أن يكون من كلام الله أو بعض الملائكة.
ثم يقال لهم : (فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) وهذا يدلّ على تفاوت منازلهم في العقاب ، وصرّح بذكر الخلود ؛ ليكون الغمّ [والحزن](١) أعظم.
قوله : «فلبئس» هذه لام التأكيد ؛ وإنما دخلت على الماضي لجموده وقربه من الأسماء ، والمخصوص بالذم محذوف ، أي : جهنّم.
قوله تعالى : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) الآية.
لما بين أحوال الكافرين ، أتبعه ببيان أحوال المؤمنين.
قال القاضي [المتقي هو :](٢) تارك جميع المحرّمات وفاعل جميع الواجبات.
وقال غيره : المتّقي : هو الذي يتّقي الشرك.
قوله : «خيرا» العامة على نصبه ، أي : أنزل خيرا.
قال الزمخشريّ : «فإن قلت : لم رفع (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ونصب هذا؟.
قلت : فصلا بين جواب المقر ، وجواب الجاحد ، يعني : أنّ هؤلاء لما سئلوا لم يتلعثموا ، وأطبقوا الجواب على السؤال بيّنا مكشوفا مفعولا للإنزال ف «قالوا خيرا» أي : أنزل خيرا وأولئك عدلوا بالجواب عن السؤال ، فقالوا : هو أساطير الأوّلين ، وليس هو من الإنزال في شيء».
وقرأ زيد (٣) بن عليّ : «خير» بالرفع ، أي : المنزّل خير ، وهي مؤيّدة لجعل «ماذا» موصولة ، وهو الأحسن ؛ لمطابقة الجواب لسؤاله ، وإن كان العكس جائزا ، وقد تقدم تحقيقه في البقرة.
قوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) هذه الجملة يجوز فيها أوجه :
أحدها : أن تكون منقطعة عما قبلها استئناف إخبار بذلك.
الثاني : أنّها بدل من «خيرا». قال الزمخشري : «هو بدل من «خيرا» ؛ حكاية لقول «الذين (اتَّقَوْا») ، أي : قالوا هذا القول فقدّم تسميته خبرا ثمّ حكاه».
__________________
(١) في ب : والخوف.
(٢) سقط من : ب.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٧٣ ، الدر المصون ٤ / ٣٢٤.
اللّباب / ج ١٢ / م ٤