ذاك إلا امتحان من الله ألقاه على عباده ، ليتميّز العلماء الراسخون عن المقلّدين. ثم قال :
(وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ).
«الغفور» : البليغ المغفرة ، وهو إشارة إلى دفع المضارّ (ذُو الرَّحْمَةِ) : الموصوف بالرحمة ، وإنّما ذكر لفظ المبالغة في المغفرة ، لا في الرحمة ؛ لأنّ [المغفرة](١) ترك [الإضرار](٢).
قوله : (بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ) : يجوز في «الموعد» أن يكون مصدرا أو زمانا أو مكانا.
والموئل : المرجع ، من وأل يئل ، أي : رجع ، وهو من التأويل ، وقال الفراء (٣) : «الموئل: المنجى ، وألت نفسه ، أي : نجت» قال الأعشى : [البسيط]
٣٥٤١ ـ وقد أخالس ربّ البيت غفلته |
|
وقد يحاذر منّي ثمّ ما يئل (٤) |
أي : ما ينجو ، وقال ابن قتيبة : «الموئل : الملجأ». يقال : وأل فلان إلى فلان يئل وألا ، ووءولا ، إذا لجأ إليه ، وهو هنا مصدر.
و (مِنْ دُونِهِ) متعلق بالوجدان ؛ لأنّه متعدّ لواحد ، أو بمحذوف على أنه حال من «موئلا».
وقرأ أبو جعفر (٥) «مولا» بواو مكسورة فقط ، والزهري : بواو مشددة فقط ، والأولى أقيس تخفيفا.
قوله تعالى : (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩) وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢) قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (٦٤) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩) قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ
__________________
(١) في أ: الرحمة.
(٢) في ب : المضار.
(٣) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١٤٨.
(٤) البيت في ديوانه ٩٥ ، شرح القصائد العشر ٤٩٣ ، مجاز القرآن ١ / ٤٠٨ ، الطبري ١٥ / ١٧٥ البحر المحيط ٦ / ١٢٦ ، روح المعاني ١٥ / ٣٠٦ ، الدر المصون ٤ / ٤٦٦.
(٥) ينظر في قراءاتها : الإتحاف ٢ / ٢١٨ ، والبحر ٦ / ١٣٣ ، والدر المصون ٤ / ٤٦٧.