«بدّل» هنا ، وفي التحريم [الآية : ٥] (أَنْ يُبْدِلَهُ) وفي القلم [الآية : ٣٢] (أَنْ يُبْدِلَنا) والباقون بسكون الباء ، وتخفيف الدال من «أبدل» في المواضع الثلاثة ، فقيل : هما لغتان بمعنى واحد ، وقال ثعلب : الإبدال تنحية جوهرة ، واستئناف أخرى ؛ وأنشد : [الرجز]
٣٥٦٣ ـ عزل الأمير للأمير المبدل (١)
قال : ألا تراه نحّى جسما ، وجعل مكانه آخر ، والتبديل : تغيير الصورة إلى غيرها ، والجوهرة باقية بعينها ؛ واحتجّ الفراء بقوله تعالى : (يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) [الفرقان : ٨٠] قال : والذي قال ثعلب حسن ، إلّا أنّهم يجعلون «أبدلت» بمعنى «بدّلت» قال شهاب الدين : ومن ثم ، اختلف الناس في قوله تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ) [إبراهيم : ٤٨] : هل يتغير الجسم والصفة ، أو الصفة دون الجسم؟.
قوله : (يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً) أي : يرزقهما الله ولدا خيرا من هذا الغلام «زكاة» أي : دينا ، وصلاحا.
وقيل : ذكر الزكاة تنبيها على مقابلة قول موسى ـ عليهالسلام ـ (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) فقال العالم : أردنا أن يرزق الله هذين الأبوين خيرا ، بدلا عن ابنهما هذا ولدا يكون خيرا منه بما ذكره من الزّكاة ، ويكون المراد من الزّكاة الطهارة ، وكان قول موسى : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً) ، أي : طاهرة ، لأنّها ما وصلت إلى حدّ البلوغ ، فكانت زاكية طاهرة من المعاصي ، فقال العالم : إن تلك النفس ، وإن كانت طاهرة زاكية في الحال ، إلّا أنّه تعالى علم منها أنّها إذا بلغت ، أقدمت على الطغيان ، والكفر ، فأردنا أن يحصل لهما ولد عظيم ، أي : أعظم زكاة وطهارة منه ، وهو الذي يعلم الله منه أنّه عند البلوغ لا يقدم على شيء من هذه المحظورات.
ومن قال : إنّ ذلك الغلام كان بالغا ، قال : المراد من وصف نفسه بكونها زاكية أنه لم يظهر عليه ما يوجب قتله.
قوله : «رحما» قرأ ابن عامر (٢) «رحما» بضمتين ، والباقون بضمة وسكون ، وهما بمعنى الرحمة ؛ قال رؤبة : [الرجز]
٣٥٦٤ ـ يا منزل الرّحم على إدريسا |
|
ومنزل اللّعن على إبليسا (٣) |
وقيل : الرّحم بمعنى الرّحم ، وهو لائق هنا من أجل القرابة بالولادة ؛ ويؤيّده قراءة
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : السبعة ٣٩٧ ، والنشر ٢ / ١٦ ، والتيسير ١٤٥ ، والحجة ٤٢٧ ، والإتحاف ٢ / ٢٢٣ ، والحجة للقراء السبعة ٥ / ١٦٥ ، وإعراب القراءات ١ / ٤١٠ ، والقرطبي ١١ / ٢٦ ، والبحر ٦ / ١٤٧ والدر المصون ٤ / ٤٧٨.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٦ / ١٤٧ ، روح المعاني ١٦ / ١٢ ، الدر المصون ٤ / ٤٧٨.