قوله : (فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ) : التثنية للتغليب ، يريد : أباه وأمّه ، فغلّب المذكّر ، وهو شائع ، ومثله : القمران والعمران ، وقد تقدّم [في يوسف] : أنّ الأبوين يراد بهما الأب والخالة ، فهذا أقرب.
والعامة على «مؤمنين» بالياء (١) ، وأبو سعيد الخدريّ ، والجحدريّ «مؤمنان» بالألف ، وفيه ثلاثة أوجه :
الأول : أنه على لغة بني الحارث ، وغيرهم.
الثاني : أن في «كان» ضمير الشّأن ، و«أبواه مؤمنان» مبتدأ وخبر في محل النصب ؛ كقوله : [الطويل]
٣٥٦٢ ـ إذا متّ كان النّاس صنفان شامت |
|
........... (٢) |
فهذا أيضا محتمل للوجهين.
الثالث : أن في «كان» ضمير الغلام ، أي : فكان الغلام ، والجملة بعده الخبر ، وهو أحسن الوجوه.
قوله : (فَخَشِينا) أي : فعلمنا (أَنْ يُرْهِقَهُما) يفتنهما.
وقال الكلبيّ : يكلّفهما طغيانا وكفرا.
وقال سعيد بن جبير (٣) : فخشينا أن يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه.
قيل : إنّ ذلك الغلام كان بالغا ، وكان يقطع الطريق ، ويقدم على الأفعال المنكرة ، وكان يصير ذلك سببا لوقوعهما في الفسق ، وربما يؤدّي ذلك الفسق إلى الكفر.
وقيل : كان صبيّا إلا أن الله تعالى علم منه أنّه لو صار بالغا ، لحصلت منه تلك المفاسد.
وقيل : الخشية بمعنى الخوف ، وغلبة الظنّ ، والله تعالى قد أباح له قتل من غلب على ظنّه تولّد تلك المفاسد منه.
فإن قيل : هل يجوز الإقدام على قتل الإنسان لمثل هذا الظنّ؟.
فالجواب (٤) : أنّه إذا تأكّد ذلك الظنّ بوحي الله تعالى إليه ، جاز.
قوله : (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما) : قرأ (٥) نافع ، وأبو عمرو بفتح الباء ، وتشديد الدال من
__________________
(١) ينظر : المحتسب ٢ / ٣٣ ، البحر ٦ / ١٤٦ ، الدر المصون ٤ / ٤٧٨.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٧٦.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١٣٧.
(٥) ينظر : السبعة ٣٩٧ ، والنشر ٢ / ٣١٤ ، والحجة ٤٢٧ ، والتيسير ١٤٥ ، والحجة للقراء السبعة ٥ / ١٦٤ ، وإعراب القراءات ١ / ٤٠٩ ، والكشاف ٢ / ٧٤١ ، والقرطبي ١١ / ٢٦ ، والبحر ٦ / ١٤٧ ، والدر المصون ٤ / ٤٧٨.