«مسكين». وقرأ (١) عليّ أمير المؤمنين ـ كرّم الله وجهه ـ بتشديدها جمع «مسّاك» وفيه قولان :
أحدهما : أنه الذي يمسك سكّان السفينة ، وفيه بعض مناسبة.
والثاني : أنّه الذي يدبغ المسوك جمع «مسك» بفتح الميم ، وهي الجلود ، وهذا بعيد ؛ لقوله : (يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) قال شهاب الدين ولا أظنّها إلا تحريفا على أمير المؤمنين ، و«يعملون» صفة لمساكين.
قوله : (وَراءَهُمْ مَلِكٌ) «وراء» هنا بمعنى المكان.
وقيل : «وراءهم» بمعنى «أمامهم» ؛ كقوله : (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) [إبراهيم : ١٦] وقيل : «وراءهم» خلفهم ، وكان رجوعهم في طريقهم عليه. والأول أصحّ ؛ لقوله : (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) [إبراهيم : ١٦] ويؤيّده قراءة ابن عباس : وكان أمامهم ملك يأخذ كلّ سفينة غصبا وقال سوار بن المضرّب السعديّ : [الطويل]
٣٥٥٩ ـ أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي |
|
وقومي تميم والفلاة ورائيا (٢) |
وقال تعالى : (وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) [الإنسان : ٢٧] وتحقيقه : أنّ كلّ ما غاب عنك ، فقد توارى عنك وتواريت عنه ، وقيل : إنّ تحقيقه أنّ ما غاب عنك ، فقد توارى عنك ، وأنت متوار عنه ، فكلّ ما غاب عنك ، فهو وراءك ، وأمام الشيء وقدامه ، إذا كان غائبا عنك ، متواريا عنك ، فلم يبعد إطلاق لفظة «وراء» عليه ، ويراد بها الزّمان ؛ قال الشاعر : [الطويل]
٣٥٦٠ ـ أليس ورائي أن أدبّ على العصا |
|
فيأمن أعدائي ويسأمني أهلي (٣) |
وقال لبيد : [الطويل]
٣٥٦١ ـ أليس ورائي إن تراخت منيّتي |
|
لزوم العصا تحنى عليها الأصابع (٤) |
قوله : «غصبا» فيه أوجه :
الأول : أنه مصدر في موضع الحال ، أو منصوب على المصدر المبين لنوع الأخذ ، أو منصوب على المفعول له ، وهو بعيد عن المعنى ، وادّعى الزمخشريّ أنّ في الكلام تقديما وتأخيرا ، فقال : «فإن قلت : قوله : (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) مسبّب عن خوفه الغصب عليها ، فكان حقه أن يتأخّر عن السبب ؛ فلم قدّم عليه؟ قلت : النية به التأخير ؛ وإنما قدّم للعناية به ، ولأنّ خوف الغصب ليس هو السبب وحده ، ولكن مع كونها للمساكين ، فكان بمنزلة قولك : زيد ظنّي مقيم».
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١١ / ٢٤ ، البحر ٦ / ١٤٥ ، والدر المصون ٤ / ٤٧٧.
(٢) تقدم.
(٣) البيت لابن ميادة. ينظر : البحر المحيط ٦ / ١٤٥ ، روح المعاني ١٦ / ٦ ، الدر المصون ٤ / ٤٧٧.
(٤) تقدم.