وأما الخبر ، فقوله عليه الصلاة والسلام ـ : «ما منّا إلّا وقد عصى أو همّ بمعصية غير يحيى بن زكريّا» (١).
ونعلم بالضرورة أن المبرّأ عن المعصية ، ومن لم يهمّ بها أفضل ممّن عصى ، أو همّ بها.
الثالث : أنّ الله ـ تعالى ـ خلق الملائكة ـ عليهم الصلاة والسلام ـ قبل البشر بأدوار متطاولة ، وأزمان ممتدة ، ثم إنه ـ تعالى ـ وصفهم بالطاعة ، والخضوع ، والخشوع طول هذه المدّة ، وطول العمر مع الطاعة يوجب مزيد الفضيلة لوجهين :
الأول : قوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «الشّيخ في قومه كالنّبيّ في أمّته» (٢) فضّل الشيخ على الشابّ ؛ وما ذاك إلّا لأنّه لما كان عمره أطول ، فالظاهر أنّ طاعته أكثر ؛ فكان أفضل.
والثاني : قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة» (٣) فلما كان شروع الملائكة في الطاعات قبل شروع البشر فيها ، لزم أن يقال : إنهم هم الذين سنّوا هذه السنة ، وهي طاعة الخالق ، والبشر إنما جاءوا بعدهم ، واستنّوا بسنّتهم ؛ فوجب بمقتضى هذا الخبر أن كلّ ما حصل للبشر من الثواب ،
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ٣٨).
(٢) أخرجه ابن حبان في «المجروحين» (٢ / ٣٦) من طريق عبد الله بن عمر بن غانم الإفريقي عن مالك عن نافع عن ابن عمر به.
قال ابن حبان : عبد الله بن عمر يروي عن مالك ما لم يحدث به قط.
ومن هذا الوجه ذكره ابن الجوزي في «الموضوعات» (١ / ١٨٣) ونقل كلام ابن حبان وتعقبه السيوطي في «اللآلىء» (١ / ١٥٤) فقال : ابن غانم روى له أبو داود وقال الذهبي في «الكاشف» : مستقيم الحديث وهو قاضي إفريقية وقد ورد من حديث أبي رافع قال ابن أبي الفراتي في «جزئه» أنبأنا جدي أبو عمرو ثنا أحمد بن يعقوب القرشي الجرجاني الأموي ثنا عبد الله بن محمد بن سليمان السعدي المروزي ثنا أحمد بن عبد الملك القناطري ثنا إسماعيل بن إبراهيم شيخ لنا عن أبيه عن رافع بن أبي رافع عن أبيه به ، أخرجه الديلمي في «مسند الفردوس» وابن النجار في «تاريخه» وقال الحافظ أبو الفضل العراقي في «تخريج الإحياء» إسناده ضعيف.
وذكره ابن عراق في «تنزيه الشريعة» (١ / ٢٠٧) وقال عن عبد الله بن غانم : وقال الحافظ في «التقريب» وثقه ابن يونس وغيره ، ولم يعرفه أبو حاتم وأفرط ابن حبان في تضعيفه.
والحديث في «تخريج الإحياء» (١ / ٨٣) للحافظ العراقي وقال : أخرجه ابن حبان في «الضعفاء» من حديث ابن عمر وأبو منصور الديلمي في «مسند الفردوس» من حديث أبي رافع بسند ضعيف.
وذكره السخاوي في «المقاصد الحسنة» (٦٠٩) وقال : ولعل البلاء فيه من غير الإفريقي فهو جليل القدر ثقة لا ريب فيه وممن جزم بكونه موضوعا ـ أي الحديث ـ شيخنا ـ أي ابن حجر ـ ومن قبله التقي ابن تيمية.
(٣) أخرجه مسلم (٢ / ٧٠٤ ـ ٧٠٥) كتاب الزكاة : باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة (٦٩ / ١٠١٧) والنسائي (٥ / ٧٥) كتاب الزكاة : باب التحريض على الصدقة (٢٥٥٤).