فقد حصل مثله للملائكة ، ولهم ثواب القدر الزائد من الطاعة ؛ فوجب كونهم أفضل.
قوله تعالى : (وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) الآية لمّا بين أن كلّ ما سوى الله فهو منقاد لجلاله وكبريائه ، أتبعه في هذه الآية بالنهي عن الشرك ، وبأن كل ما سواه ، فهو ملكه ؛ وأنه غنيّ عن الكل.
قوله تعالى : «اثنين» فيه قولان :
أحدهما : أنه مؤكد ل «إلهين» وعليه أكثر الناس ، و«لا تتّخذوا» على هذا يحتمل أن تكون متعدية لواحد ، وأن تكون متعدية لاثنين ، والثاني منهما محذوف ، أي : لا تتخذوا اثنين إلهين ، وفيه بعد.
وقال أبو البقاء : «هو مفعول ثان». وهذا كالغلط ؛ إذ لا معنى لذلك ألبتة.
وكلام الزمخشريّ هنا يفهم أنّه ليس بتأكيد ؛ فإنه قال : «فإن قلت : إنّما جمعوا بين العدد ، والمعدود ؛ فيما وراء الواحد والاثنين ، فقالوا : عندي رجال ثلاثة ، وأفراس أربعة ؛ لأنّ المعدود عار عن الدّلالة عن العدد الخاص ، فأمّا رجل ورجلان ، وفرس وفرسان ؛ فمعدودان فيهما دلالة على العدد ؛ فلا حاجة إلى أن يقال : رجل واحد ، ورجلان اثنان ، فما وجه قوله تعالى : (إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ)؟.
قلت : الاسم الحامل لمعنى الإفراد ، والتثنية دال على شيئين ، على الجنسية ، والعدد المخصوص ، فإذا أريدت الدلالة على أنّ المعنيّ به منهما ، والذي يساق إليه الحديث هو العدد شفع بما يؤكد العدد ، فدلّ به على القصد إليه ، والعناية به ، ألا ترى أنك لو قلت : (إِنَّما هُوَ إِلهٌ) ، ولم تؤكده بواحد لم يحسن ، وخيّل أنك أثبت الإلهية ، لا الواحدانيّة».
وقال أبو حيّان (١) رحمهالله : «لما كان الاسم الموضوع للإفراد ، والتثنية قد يتجوّز فيه ؛ فيراد به [الجنس](٢) ؛ نحو : نعم الرّجل زيد ، ونعم الرّجلان الزيدان. وقول الشاعر : [الوافر]
٣٣١٩ ـ فإنّ النّار بالعودين تذكى |
|
وإنّ الحرب أوّلها الكلام (٣) |
أكد الموضوع لهما بالوصف ، فقيل : إلهين اثنين ، وقيل : إله واحد».
فصل
قال ابن الخطيب (٤) : الفائدة في قوله : «اثنين» : أن الشيء إذا كان مستنكرا
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٨٥.
(٢) في ب : التثنية.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٨٥ ، روح المعاني ١٤ / ١٦٢ ، الدر المصون ٤ / ٣٣٤.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ٢٠ / ٣٩.