مستقبحا ، فإذا أريد المبالغة في التنفير عنه عبر عنه بعبارات كثيرة ليصير توالي تلك العبارات سببا لوقوف العقل على قبحه ، والقول بوجود إلهين مستقبح في العقول ؛ فإنّ أحدا من العقلاء لم يقل بوجود إلهين متساويين في الوجود ، والعدم ، وصفات الكمال فالمقصود من تكرير «اثنين» تأكيد التنفير عنه ، وتوقيف العقل على ما فيه من القبح ، وأيضا فقوله «إلهين» لفظ واحد يدل على أمرين : ثبوت الإله ، وثبوت التعدد.
فإذا قيل : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ) لم يفهم من هذا اللفظ أنّ النهي ، وقع عن إثبات الإله ، وعن إثبات التعدد ، وعن مجموعهما ، فلما قال : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) ظهر أن قوله : (لا تَتَّخِذُوا) نهي عن إثبات التعدد فقط ، وأيضا فإنّ التثنية منافية للإلهية ، وتقريره من وجوه :
الأول : أنّا لو فرضنا موجودين ، يكون كل واحد منهما واجبا لذاته ؛ لكانا مشتركين في الوجوب الذاتي ، ومتباينين بالتعيين ، وما به المشاركة ، غير ما به المباينة ؛ فكلّ واحد منهما مركب من جزءين ، وكل مركّب فهو ممكن ؛ فثبت أنّ القول بأن واجب الوجود أكثر من واحد ينفي القول بكونهما واجبي الوجود.
الثاني : أنّا لو فرضنا إلهين ، وحاول أحدهما تحريك جسم ، والآخر تسكينه ؛ امتنع كون أحدهما أولى بالفعل من الثاني ؛ لأنّ الحركة الواحدة والسكون الواحد ، لا يقبل القسمة أصلا ، ولا التفاوت أصلا ؛ وإذا كان كذلك امتنع أن تكون القدرة على أحدهما أكمل من القدرة على الثاني ؛ وإذا ثبت هذا ، امتنع كون إحدى القدرتين أولى بالتأثير من الثانية ، وإذا ثبت هذا ، فإمّا أن يحصل مراد كل منهما ، وهو محال ، أو لا يحصل مراد كلّ واحد منهما ألبتّة ؛ وحينئذ يكون كل واحد منهما عاجزا ؛ والعاجز لا يكون إلها.
فثبت أن كونهما اثنين ينفي كون كل واحد منهما إلها.
الثالث : لو فرضنا إلهين اثنين ، لكان إمّا أن يقدر أحدهما على أن يستر ملكه عن الآخر ، أو لا يقدر ، فإن قدر ؛ فذلك الآخر ضعيف ، وإن لم يقدر ، فهو ضعيف.
الرابع : أن أحدهما : إمّا أن يقوى على مخالفة الآخر ، أو لا يقوى عليه ، فإن لم يقو عليه ، فهو ضعيف ، وإذا قوي عليه ، فالأول المغلوب ضعيف ؛ فثبت أنّ الاثنينيّة والإلهية متضادان.
فالمقصود من قوله (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) هو التنبيه على حصول المنافاة ، والمضادة بين الإلهية ، وبين الاثنينية.
ولما ذكر هذا الكلام قال : (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) ، أي : إنه لمّا دل الدليل على أنّه لا بد للعالم من الإله ، وثبت أنّ القول بوجود إلهين محال ؛ ثبت أنه لا إله إلا الواحد الأحد.
ثم قال (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) وهذا رجوع من الغيبة إلى حضور ، والتقدير : أنه لما ثبت