ولمّا حكى عنهم هذا القول قال : «سبحانه» والمراد : تنزيه ذاته عن نسبة الولد إليه.
وقيل : تعجيب الخلق من هذا الجهل الصّريح ، وهو وصف الملائكة بالأنوثة ، ثم نسبتها بالولدية إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ والمعنى : معاذ الله.
قوله : (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أن هذا الجملة من مبتدإ ، وخبر ، أي : يجعلون لله البنات ، ثمّ أخبر أنّ لهم ما يشتهون.
وجوّز الفرّاء ، والحوفيّ ، والزمخشري ، وأبو البقاء ـ رحمة الله عليهم ـ أن تكون «ما» منصوبة المحلّ ؛ عطفا على «البنات» و«لهم» عطف على الله ، أي : ويجعلون لهم ما يشتهون.
قال أبو حيّان (١) : وقد ذهلوا عن قاعدة نحويّة ، وهو أنه لا يتعدّى فعل المضمر إلى ضميره المتّصل ، إلّا في باب «ظنّ» وفي «عدم» و«فقد» ولا فرق بين أن يتعدى الفعل بنفسه ، أو بحرف الجرّ ؛ فلا يجوز : زيد ضربه ، أي : ضرب نفسه ، ولا «زيد مرّ به» ، أي : مر بنفسه ، ويجوز : «زيد ظنه قائما» ، و«زيد فقده وعدمه» أي : [ظن نفسه قائما ، وفقد](٢) نفسه ، وعدمها. إذا تقرّر هذا ، فجعل «ما» منصوبة عطفا على «البنات» يؤدّي إلى تعدّي فعل الضمير المتّصل ، وهو واو «يجعلون» إلى ضميره المتّصل ، وهو «هم» في «لهم» انتهى.
وهذا يحتاج إلى إيضاح أكثر من هذا ، وهو أنّه لا يجوز تعدي فعل الضمير المتصل ، ولا فعل الظاهر إلى ضميرها المتصل ، إلا في باب «ظنّ» وأخواتها من أفعال القلوب ، وفي «فقد» و«عدم» فلا يجوز زيد ضربه زيد ، أي : ضرب نفسه ، ويجوز : زيد ظنّه قائما ، وظنّه زيد قائما ، وزيد فقده وعدمه ، وفقده وعدمه زيد ، ولا يجوز تعدي فعل المضمر المتصل إلى ظاهر ، في باب من الأبواب ، لا يجوز : زيد ضرب نفسه ، وفي قولنا «إلى ضميرها المتصل» قيدان :
أحدهما : كونه ضميرا ، فلو كان ظاهرا كالنّفس لم يمتنع ، نحو : زيد ضرب نفسه وضرب نفسه زيد.
والثاني : كونه متّصلا ، فلو كان منفصلا ؛ جاز ، نحو : زيد ما ضرب إلّا إيّاه ، وما ضرب زيد إلّا إياه ، وأدلّة هذه المسألة مذكورة في كتب النّحو.
وقال مكي (٣) : «وهذا لا يجوز عند البصريين ، كما لا يجوز : جعلت لي طعاما إنّما يجوز جعلت لنفسي طعاما ، فلو كان لفظ القرآن : ولأنفسهم ما يشتهون ، جاز ما قال الفرّاء (٤) عند البصريين ، وهذا أصل يحتاج إلى تعليل ، وبسط كثير».
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٨٨.
(٢) زيادة من : أ.
(٣) ينظر : المشكل ٢ / ١٦.
(٤) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١٠٥.