مفهومها مطرد فيهم وصادق عليهم صدقاً متواطئاً ، ينتقل من تلك الحقيقة الملموسة إلى مسألة منطقية ويقول : «الإنسان نوع» ، أو : إنّه كليّ» ، على ما مرّ توضيحه.
فالخارج منصّة لانطلاق الفكر إلى تلك القضية الكلية الّتي يتخيل أنّها ليس لها مصداق في الخارج ، إلّا أنّ هناك حقيقة خارجية تصحح تلك القضية الكليّة.
وبذلك يعلم حال القضايا الحسابية ، إذ ليس لموضوعاتها وجود في الخارج. فليس في الخارج عشرة ولا مائة ولا ألف ، بل الموجود في الخارج هو الوحدات ، ولكن تلك الوحدات تصحح لنا انتزاع هذه المفاهيم والأعداد ، بل صنع قضايا كليّة منها ، الّتي منها جدول الضرب الّذي ابتكره «فيثاغورس» اليوناني ، فإنّك لا تجد في الخارج مصداقاً لقولنا سبعة مضروبة في سبعة تساوي تسعة وأربعين إلّا أنّ هناك واقعية تصحح تلك القضية وتعد منشأ انتزاع لها ، وهي أنا إذا كررنا سبعة أشياء سبع مرّات نصل إلى تلك النتيجة.
ومثله القضايا الهندسية ، وما يرجع إلى الأشكال الهندسية من مربع ومثلث ودائرة ، وقواعدها وضوابطها ، فإنّها كلها لا مصاديق لها في الخارج. خذ الدائرة مثلاً ، فإنّها على التحقيق ليست موجودة في الخارج ، وإنّما الموجود هو الجسم المادي. وهكذا المربع ـ مثلاً ـ فإنّما هو مشكّل من خطوط ، والخط ـ بالمعنى الفلسفي (الّذي هو نهاية السطح) لا العرفي ـ لا وجود له في الخارج ، لأنّها (النهاية) أمر عدمي. ومع ذلك كلّه فالأحكام الواردة على هذه الأشكال بين صحيح وباطل ، وما ذلك إلّا لأنّ لهذه الأشكال مناشئ انتقال تصحح تصويرها ، كما تصحح الأحكام الواردة عليها. وعلى مطابقتها وعدمه يدور مدار صدقها وبطلانها.
وبذلك يعلم حال العلوم النفسية ، فإنّ الحالات الروحية من حسد وبخل ، وكرم ، ويأس ، و ... ، ليس لها وجود خارجي كالأجسام ، ولكنها بالقياس إلى العدم ، لها واقعيات ، كما أنّ لها آثاراً تصحح كشفها والانتقال إليها ، والحكم بصحة أو بطلان ما نقضي عليها من أحكام.