الفلسفة والأخلاق ، بل أمر طبيعي في حياة كل إنسان ، حتّى هيوم نفسه ، فإنه إذا أراد أن يخبر عن حاله يقول : مزاجي اليوم جيد أو معتكر. ثمّ يقرر بعدها : فيجب عليّ أن أذهب إلى عملي ، أو لا يجب. فالمطلوب في القضية الأُولى هو الإخبار عن وجود الشيء أو عدمه، وفي الثانية طَلَبُ إيجاده الشيء أو عدمه.
وأمّا فيما ذكره ثانياً ، فبأنَّ أيَّ أُستاذ أخلاقي أو قانوني لا يستدلّ مباشرة بضرورة الوجود الكوني أو عدمه ، على ضرورة الفعل والترك ، بل يوسِّط بين الضرورتين كبرى عقلية عملية ليستكمل بها الاستنتاج. وأمّا ضرورةُ الوجود ، فيقتصر دورها على تعيين الموضوع ، كما تقدم.
سؤال وإجابة
السؤال : إذا لم يكن للحكمة النظرية دور في استنتاج القضايا الأخلاقية والاجتماعية إلّا بنحو تعيين الموضوع ، وكان الإذعان بالنتيجة رهن صغرى نظرية ، وكبرى عملية ، فلما ذا نرى في الذكر الحكيم أنّه ربما يعطف على قضايا نظرية ، معارف عملية يفرضها على الإنسان؟ إن هذا يعرب عن أنّ المعرفة النظرية كافية في الاستنتاج ، ولا تتوقف على ضمّ كبرى إليها. وإليك بعض ما يتراءى ذلك منه :
١. قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ)(١).
لا يشك الناظر في هذه الآية بأنّ الله تعالى يستدلّ بمعرفة نظرية على معرفة عملية ، وهو أنّه إذا كان مَنْ في السموات والأرض ، بل كل ما في الكون من شمس وقمر ونجوم ... ساجد لله تعالى ، فلما ذا لا تسجد أنت أيها الإنسان ، بل يجب عليك السجود لله سبحانه.
ومعنى ذلك أنّ فيما يدركه الإنسان من الكون ، وهو سجود الموجودات
__________________
(١) الحج : ١٨.