الإمكانية لله تعالى ، أُسوةٌ وقدوة للإنسان لكي يقوم بما تقوم به تلك. ومعنى ذلك أنّ المعرفة النظرية ، علةٌ تامّةٌ للاستنتاج ، لا أنّها المقتضي ، ولا أنّها تقتصر على تعيين الموضوع.
٢. قوله تعالى : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (١).
إنّك ترى بوضوح في هذه الآية أنّ قوله : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تعليل لقوله : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) ، فهو يستدلّ بمعرفة نظرية ، وهي مطاوعة ما في الكون واستسلامه لله سبحانه ، على معرفةٍ عملية ، وهي لزوم استسلام الإنسان لله سبحانه لا للأصنام والأوثان ، ولا للنفس الأمّارة. فكأنّه يقول : يجب على كل إنسان قبول دين الله تعالى وإطاعته والتسليم له ، لأنّ كلَّ ما في الكون مستسلم لله تعالى.
٣. قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) (٢) ، وبما أنّ العلم لا ينفك عن الفريضة والتكليف ، فرض سبحانه على آدم الاجتناب عن الشجرة ، وقال : (قُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) (٣). فصارت معرفة آدم للأسماء ـ خصوصاً ما يرتبط منها بسعادة الإنسان أو شقائه ـ علّة لهذا الواجب ، وهو لزوم اجتناب الشجرة.
٤. قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٤).
فما في هذه الآية ، معرفةٌ نظرية صارت دليلاً على حكم عملي مذكور في الآية التالية ، وهي قوله :
(«الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ
__________________
(١) آل عمران : ٨٣.
(٢) البقرة : ٣١.
(٣) البقرة : ٣٥.
(٤) آل عمران : ١٩٠.