وقد ذكر عنده الجدال في الدين ، وأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام قد نهوا عنه ، فقال الصادق عليهالسلام : لم ينه عنه مطلقا ولكنّه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن ، أما تسمعون الله عزوجل يقول : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(١) وقوله تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)؟ فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين ، والجدال بغير التي هي أحسن محرّم ، حرّمه الله تعالى على شيعتنا ، وكيف يحرّم الله الجدال جملة وهو يقول : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) وقال الله (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٢)؟ فجعل الله علم الصّدق والإيمان بالبرهان ، وهل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالتي هي أحسن؟
قيل : يا بن رسول الله ، فما الجدال بالتي هي أحسن والتي ليست بأحسن؟
قال : أمّا الجدال بغير التي هي أحسن ، بأن تجادلا مبطلا فيورد عليك باطلا فلا تردّه بحجّة قد نصبها الله ، ولكن تجحد قوله ، أو تجحد حقا يريد ذلك لمبطل أن يعين به باطله ، فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجّة ، لأنّك لا تدري كيف المخلص منه ، فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم وعلى المبطلين ، أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف [ما] في يده حجّة له على باطله ، وأمّا الضعفاء فتغمّ قلوبهم لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل.
وأمّا الجدال بالتي هي أحسن ، فهو ما أمر الله تعالى به نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحياء له ، فقال الله تعالى حاكيا عنه : (وَضَرَبَ
__________________
(١) العنكبوت : ٤٦.
(٢) البقرة : ١١١.