لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)(١) فقال الله في الردّ عليه : (قُلْ) يا محمّد (يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ)(٢) إلى آخر السورة ، فأراد الله من نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يجادل المبطل الذي قال : كيف يجوز أن يبعث الله هذه العظام وهي رميم؟ فقال الله تعالى ؛ (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) أفيعجز من ابتدأه لا من شيء أن يعيده بعد أن يبلى؟! بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته ، ثم قال : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) أي : إذا كان قد أكمن النار الحارّة في الشجر الأخضر الرطب يستخرجها ، فعرّفكم أنه على إعادة ما يبلى أقدر ، ثمّ قال : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ)(٣) أي إذا كان خلق السماوات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه من إعادة البالي ، فكيف جوّزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم ، والأصعب لديكم ، ولم تجوّزوا ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي؟
قال الصادق عليهالسلام : فهذا الجدال بالتي هي أحسن ، لأنّ فيها انقطاع عرى الكافرين ، وإزالة شبهتهم ، وأمّا الجدال بغير التي هي أحسن فأن تجحد حقّا لا يمكنك أن تفرّق بينه وبين باطل من تجادله ، وإنّما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحقّ ، فهذا هو المحرّم لأنّك مثله ، جحد هو حقا ، وجحدت أنت حقّا آخر».
قال : «فقام إليه رجل فقال : يا بن رسول الله ، أفجادل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ فقال الصادق عليهالسلام : مهما ظننت برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من شيء فلا تظنّ به مخالفة الله ، أو ليس الله تعالى قال : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، وقال : (قُلْ يُحْيِيهَا
__________________
(١) يس : ٧٨.
(٢) يس : ٧٩ ـ ٨٠.
(٣) يس : ٨١.