ثمّ مررت بملك من الملائكة وهو جالس على مجلس ، وإذا جميع الدنيا بين ركبتيه ، وإذا بيده لوح من نور ، مكتوب فيه كتاب ينظر فيه ، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا ، مقبلا عليه كهيئة الحزين ، فقلت : من هذا ، يا جبرئيل؟ فقال : هذا ملك الموت ، دائب في قبض الأرواح. فقلت : يا جبرئيل ، أدنني منه حتى أكلّمه. فأدناني منه ، فسلّمت عليه ، وقال له جبرئيل : هذا محمد نبيّ الرحمة الذي أرسله الله إلى العبّاد ، فرحّب بي وحيّاني بالسلام ، وقال : أبشر ـ يا محمّد ـ فإنّي أرى الخير كلّه في أمّتك. فقلت : الحمد لله المنّان ذي النّعم والإحسان على عباده ، ذلك من فضل ربّي ورحمته عليّ. فقال جبرئيل : هو أشدّ الملائكة عملا. فقلت : أكلّ من مات ، أو هو ميت فيما بعد هذا ، تقبض روحه؟ قال : نعم. قلت : تراهم حيث كانوا وتشهدهم بنفسك؟ فقال : نعم. وقال ملك الموت : ما الدنيا كلّها عندي فيما سخّرها الله لي ومكّنني منها ، إلّا كالدرهم في كفّ الرجل ، يقلّبه كيف يشاء ، وما من دار إلّا وأنا أتصفّحها في كلّ يوم خمس مرّات ، وأقول إذا بكى أهل الميت على ميّتهم : لا تبكوا عليه ، فإنّ لي فيكم عودة وعودة حتى لا يبقى منكم أحد. قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : كفى بالموت طامّة ، يا جبرئيل. فقال جبرئيل : إنّ ما بعد الموت أطمّ وأطمّ من الموت.
قال : ثمّ مضيت فإذا أنا بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيّب ولحم خبيث ، يأكلون اللحم الخبيث ويدعون الطيّب ، فقلت : من هؤلاء ، يا جبرئيل؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون الحرام ويدعون الحلال ، وهم من أمّتك يا محمد.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ثمّ رأيت ملكا من الملائكة ، جعل الله أمره عجبا ، نصف جسده من النار والنصف الآخر ثلج ، فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفئ لنار ، وهو ينادي بصوت رفيع : سبحان الذي كفّ حرّ هذه النّار فلا