الأنهار خلالها ـ خلال ذلك النخيل والأعناب ـ تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ، فإنك قلت لنا : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ)(١) فلعلّنا نقول ذلك. ثمّ قال : ولن نؤمن لك ، أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ، تأتي بهم وهم لنا مقابلون أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا به فلعلّنا نطغى ، فإنك قلت لنا : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى)(٢) ثم قال : (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ) أي تصعد في السماء (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) ، من الله العزيز الحكيم إلى عبد الله بن أبي أميّة المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمّد بن عبد الله بن عبد المطلب فإنّه رسولي ، وصدّقوه في مقاله ، فإنه من عندي ، ثمّ لا أدري ـ يا محمّد ـ إذا فعلت هذا كلّه أؤمن بك أو لا أؤمن بك ، بل لو رفعتنا إلى السماء وفتحت أبوابها ودخلناها ، لقلنا : إنّما سكّرت أبصارنا ، وسحرتنا.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا عبد الله ، أبقي شيء من كلامك؟ قال : يا محمّد ، أو ليس فيما أوردت عليك كفاية وبلاغ؟ ما بقي شيء ، فقل ما بدا لك ، وأفصح عن نفسك ، إن كانت لك حجّة ، أو ائتنا بما سألناك.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : اللهم أنت السامع لكلّ صوت ، والعالم بكلّ شيء ، تعلم ما قاله عبادك ، فأنزل الله عليه : يا محمد (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ) إلى قوله : (رَجُلاً مَسْحُوراً) ، ثمّ قال الله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً)(٣) ، ثمّ قال الله : يا محمّد (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً)(٤) ، وأنزل عليه : يا محمّد (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ
__________________
(١) الطور : ٤٤.
(٢) العلق : ٦ ـ ٧.
(٣) الإسراء : ٤٨ ، الفرقان : ٩.
(٤) الفرقان : ١٠.