مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)(١) الوليد بن المغيرة بمكّة ، أو عروة بن مسعود بالطائف ، فإنّ الله تعالى ليس يستعظم مال الدّنيا كما تستعظمه أنت ، ولا خطر له عنده كما له عندك ، بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به مخالفا له شربة ماء ، وليس قسمة رحمة الله إليك ، بل الله القاسم للرحمات ، والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه ، وليس هو عزوجل ممّن يخاف أحدا كما تخافه أنت لماله أو حاله ، ولا ممّن يطمع في أحد في ماله أو حاله فيخصّه بالنبوّة لذلك ، ولا ممّن يحبّ أحدا محبّة الهوى كما تحبّ ، فتقدّم من لا يستحق التقديم ، وإنّما معاملته بالعدل ، فلا يؤثر بأفضل مراتب الدين وخلاله ، إلّا الأفضل في طاعته والأجدّ في خدمته ، وكذلك لا يؤخّر في مراتب الدين وخلاله إلّا أشدّهم تباطؤا عن طاعته ، وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال ، بل هذا المال والحال من فضله ، وليس لأحد من عباده عليه ضربة لازب (٢) ، فلا يقال له : إذا تفضّلت بالمال على عبد فلا بدّ أن تتفضّل عليه بالنبوّة أيضا ، لأنه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده ، ولا إلزامه تفضّلا ، لأنّه تفضّل قبله بنعمه ، ألا ترى ـ يا عبد الله ـ كيف أغنى واحدا وقبّح صورته؟ وكيف حسّن صورة واحد وأفقره؟ وكيف شرّف واحدا أفقره؟ وكيف أغنى واحدا ووضعه ، ثم ليس لهذا الغنيّ أن يقول : هلّا أضيف إلى يساري جمال فلان ، ولا للجميل أن يقول : هلّا أضيف إلى جمالي مال فلان ، ولا للشريف أن يقول : هلّا أضيف إلى شرفي مال فلان ، ولا للوضيع أن يقول : هلّا أضيف إلى ضعتي شرف فلان ، ولكن الحكم لله يقسّم كيف يشاء ويفعل كما يشاء ، وهو حكيم في أفعاله ، محمود في أعماله ، وذلك قوله تعالى : (وَقالُوا
__________________
(١) الزخرف : ٣١.
(٢) هذا الأمر ضربة لازب ، أي لازم شديد. «لسان العرب ـ لزب ـ ج ١ ، ص ٧٣٨». وفي «ط» : ضريبة لازب.