زعمت علينا كسفا ، فإنّك قلت : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) فإنّ في سقوط السّماء عليكم موتكم وهلاككم ، فإنّما تريد بهذا من رسول الله أن يهلكك ، ورسول ربّ العالمين أرحم بك من ذلك ، ولا يهلكك ، لكنّه يقيم عليك حجج الله ، وليس حجج الله لنبيّه وحده على حسب الاقتراح من عباده ، لأنّ العباد جهّال بما يجوز من الصلاح ، وبما لا يجوز من الفساد ، وقد يختلف اقتراحهم ويتضادّ حتى يستحيل وقوعه ، إذ لو كانت اقتراحاتهم واقعة لجاز أن تقترح أنت أن تسقط السماء عليكم ، ويقترح غيرك أن لا تسقط عليكم السماء بل أن ترفع الأرض إلى السماء وتقع السماء عليها ، فكان ذلك يتضادّ ويتنافى ويستحيل وقوعه ، والله تعالى لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال.
ثمّ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : وهل رأيت ـ يا عبد الله ـ طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحاتهم؟ وإنما يفعل بهم ما يعلم صلاحهم فيه ، أحبّه العليل أن كرهه ، فأنتم المرضى والله طبيبكم ، فإن انقدتم لدوائه شفاكم ، وإن تمرّدتم عليه أسقمكم ، وبعد ، فمتى رأيت ـ يا عبد الله ـ مدّعي حقّ من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكّامهم ـ فيما مضى ـ بيّنة على دعواه على حسب اقتراح المدّعى عليه؟ إذن ما كان يثبت لأحد على أحد دعوى ولا حقّ ، ولا كان بين ظالم ومظلوم ولا بين صادق وكاذب فرق.
ثمّ قال : يا عبد الله ، وأمّا قولك : أو تأتي بالله والملائكة قبيلا يقابلوننا ونعاينهم ، فإنّ هذا من المحال الذي لا خفاء به ، إنّ ربنا عزوجل ليس كالمخلوقين يجيء ويذهب ويتحرك ويقابل شيئا حتى يؤتى به ، فقد سألتم بهذا المحال ، وإنّما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم ، ولا تغني عنكم شيئا ولا عن أحد. يا عبد الله ، أو ليس لك ضياع وجنان بالطائف عقار بمكّة وقوّام عليها؟ قال : بلى ،