قال : أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك؟ قال : بسفراء ، قال : أرأيت لو قال معاملوك وأكرتك وخدمك لسفرائك : لا نصدّقكم في هذه السّفارة إلا أن تأتونا بعبد الله بن أبي أميّة لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاها ، كنت تسوّغهم هذا ، أو كان يجوز لهم عندك ذلك؟ قال : لا ، قال : فما الذي يجب على سفرائك؟ أليس إن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلّهم على صدقهم فيجب عليهم أن يصدّقوهم؟ قال : بلى ، قال : يا عبد الله ، أرأيت سفيرك لو أنّه لمّا سمع منهم هذا عاد إليك وقال قم معي فإنّهم قد اقترحوا عليّ مجيئك ، أليس يكون لك مخالفا ، وتقول له : إنّما أنت رسول ، لا مشير ولا آمر (١)؟ قال : بلى ، قال : كيف صرت تقترح على رسول ربّ العالمين ما لا تسوّغ لأكرتك ومعامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم ، وكيف أردت من رسول ربّ العالمين ما لا تسوّغ لأكرتك وقوّامك؟ هذه حجّة قاطعة لإبطال جميع ما ذكرته في كلّ ما اقترحته ، يا عبد الله.
وأمّا قولك ، يا عبد الله : أو يكون لك بيت من زخرف ـ وهو الذهب ـ أما بلغك أنّ لعظيم مصر بيوتا من زخرف؟ قال : بلى ، قال : أفصار بذلك نبيّا؟ قال : لا ، قال : فكذلك لا يوجب ذلك لمحمّد ـ لو كان له ـ نبوّة ، ومحمد لا يغتنم جهلك بحجج الله.
وأمّا قولك يا عبد الله : أو ترقى في السماء ، ثمّ قلت : ولن نؤمن لرقيّك حتى تنزّل علينا كتابا نقرؤه ، يا عبد الله ، الصعود إلى السماء أصعب من النزول عنها ، وإذا اعترفت على نفسك أنّك لا تؤمن إذا صعدت ، فكذلك حكم النزول ، ثمّ قلت : حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ، ومن بعد ذلك ، لا أدري أؤمن بك أو لا أؤمن بك ، فأنت ـ يا عبد الله ـ مقرّ بأنّك تعاند حجّة الله
__________________
(١) في «ط» رسول مبشر مأمور.