يا إبراهيم ، اكفف دعوتك عن عبادي وإمائي ، أنا الغفور الرحيم ، الحنان الحليم ، لا تضرّني ذنوب عبادي ، كما لا تنفعني طاعتهم ، ولست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك ، فاكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فإنّما أنت عبد نذير ، لا شريك لي في المملكة ، ولا مهيمن عليّ ، ولا على عبادي ، وعبادي معي بين خلال ثلاث : أمّا إن تابوا إليّ فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم ، وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنّه سيخرج من أصلابهم ذرّيات يؤمنون ، فأرفق بالآباء الكافرين ، وأتأنّى بالأمّهات الكافرات ، فأرفع عذابي عنهم ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم ، فإذا تزايلوا حلّ بهم عذابي ، وحاق بهم بلائي ، فإن لم يكن هذا ولا هذا فإنّ الذي أعددته لهم من عذابي أعظم ممّا تريده بهم ، فإن عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي. يا إبراهيم ، خلّ بيني وبين عبادي فإنّي أرحم بهم منك ، وخلّ بيني وبين عبادي فإنّي أنا الجبّار الحليم العلّام الحكيم ، أدبّرهم بعلمي وأنفّذ فيهم قضائي وقدري.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الله تعالى ـ يا أبا جهل ـ إنما دفع عنك العذاب لعلمه بأنه سيخرج من صلبك ذريّة طيبة ، عكرمة (١) ابنك ، وسيلي من أمور المسلمين ما إن أطاع الله فيه ، كان عند الله جليلا ، وإلّا فالعذاب نازل عليك ، وكذلك سائر قريش السائلين ، لمّا سألوا من هذا ، إنّما أمهلوا لأن الله علم أن بعضهم سيؤمن بمحمد ، وينال به السعادة ، فهو تعالى لا يقتطعه عن تلك السعادة ويبخل بها عليه ، أو من يولد منه مؤمن فهو ينظر أباه لإيصال
__________________
(١) عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام المخزومي القريشي ، من صناديد قريش في الجاهلية والإسلام. كان هو وأبوه من أشدّ الناس عداوة للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأسلم عكرمة بعد فتح مكّة ، فشهد الوقائع ، وولي الأعمال ، وقتل في اليرموك أو يوم برج الصفر ، سنة ١٣ ه الطبقات الكبرى : ج ٧ ، ص ٤٠٤ ، صفة الصفوة : ج ١ ، ص ٧٣٠ ، ح ١١١ ، سير أعلم النبلاء ج ١ ، ص ٣٢٣ ، ح ٦٦ ، الإصابة : ج ٢ ، ص ٤٩٦.