بقوله : (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً)(١) وإنّما اشترك في الإبانة لأنه خشي ، والله لا يخشى لأنّه لا يفوته شيء ، ولا يمتنع عليه أحد أراده ، وإنما خشي الخضر من أن يحال بينه وبين ما أمر فيه فلا يدرك ثواب الإمضاء فيه ، ووقع في نفسه أن الله تعالى ذكره جعله سببا لرحمة أبوي الغلام ، فعمل فيه وسط الأمر من البشرية مثل ما كان عمل في موسى عليهالسلام ، لأنه صار في الوقت مخبرا ، وكليم الله موسى عليهالسلام مخبرا ، ولم يكن ذلك باستحقاق الخضر عليهالسلام للرّتبة على موسى عليهالسلام وهو أفضل من الخضر ، بل كان لاستحقاق موسى للتبيين.
ثمّ قال : (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) ولم يكن ذلك الكنز بذهب ولا فضة ، ولكن كان لوحا من ذهب مكتوب فيه : عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، عجب لمن أيقن بالقدر كيف يحزن ، عجب لمن أيقن أن البعث حق كيف يظلم ، عجب لمن يرى الدنيا وتصرّف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئنّ إليها ، وكان أبوهما صالحا ، وكان بينهما وبين هذا الأب الصالح سبعون أبا ، فحفظهما الله بصلاحه ، ثم قال : (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما) فتبرّأ من الإبانة في آخر القصص ، ونسب الإرادة كلها إلى الله تعالى ذكره في ذلك لأنه لم يكن بقي شيء مما فعله فيخبر به بعد ويصير موسى عليهالسلام به مخبرا ومصغيا إلى كلامه تابعا له ، فتجرّد من الإبانة والإرادة تجرّد العبد المخلص ، ثمّ صار متنصّلا مما أتاه من نسبة الإبانة في أول القصة ، ومن ادعائه الاشتراك في ثاني القصّة ، فقال : (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ
__________________
(١) قال أبو عبد الله عليهالسلام : «إن الغلام الذي قتله العالم الذي كان مع موسى عليهالسلام وهو قول الله عزوجل : (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً) أبدلهما الله به بنتا ، ولدت سبعين نبيّا» (الكافي : ج ٦ ، ص ٦ ، ح ١١).