وما عبادة أهل الأرض؟ فقال : أمّا عبادة أهل السماء ، ما في السماوات موضع قدم إلّا وعليه ملك قائم لا يقعد أبدا ، أو راكع لا يسجد أبدا أو ساجد لا يرفع رأسه أبدا فبكى ذو القرنين بكاء شديدا ، وقال : يا رفائيل ، إني أحبّ أن أعيش حتى أبلغ من عبادة ربّي وحقّ طاعته بما هو أهله.
قال رفائيل : يا ذا القرنين ، إنّ لله في الأرض عينا تدعى عين الحياة ، فيها عزيمة من الله أنه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت ، فإن ظفرت بها تعيش ما شئت. قال : وأين تلك العين ، وهل تعرفها؟ قال : لا ، غير أنا نتحدّث في السماء أن لله في الأرض ظلمة لم يطأها إنس ولا جان. فقال ذو القرنين : وأين تلك الظّلمة؟ قال رفائيل : ما أدري.
ثم صعد رفائيل فدخل ذا القرنين حزن طويل من قول رفائيل ، ومما أخبره عن العين والظّلمة ، ولم يخبره بعلم ينتفع به منها فجمع ذو القرنين فقهاء أهل مملكته وعلماءهم وأهل دراسة الكتب وآثار النبوّة ، فلمّا اجتمعوا عنده ، قال ذو القرنين : يا معشر الفقهاء ، وأهل الكتب وآثار النبوة ، هل وجدتم فيما قرأتم من كتب الله أو في كتب من كان قبلكم من الملوك أن لله عينا تدعى عين الحياة ، فيها من الله عزيمة أنّه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت؟ قالوا : لا ، يا أيها الملك. قال : فهل وجدتم فيما قرأتم من الكتب أن لله في الأرض ظلمة لم يطأها إنس ولا جان؟ قالوا : لا ، يا أيها الملك. فحزن ذو القرنين حزنا شديدا وبكى إذ لم يخبر عن العين والظلمة بما يحبّ.
وكان فيمن حضره غلام من الغلمان من أولاد الأوصياء ، أوصياء الأنبياء وكان ساكتا لا يتكلم حتى إذا أيس ذو القرنين منهم. قال له الغلام : أيها الملك ، إنك تسأل هؤلاء عن أمر ليس لهم به علم ، وعلم ما تريد عندي ، ففرح ذو القرنين فرحا شديدا ، حتى نزل عن فراشه ، وقال له : أدن منّي. فدنا