فدفع إلى كل رجل فرسا ، وعقد لأفسحر ـ وهو الخضر ـ على ألف فرس ، فجعلهم على مقدّمته ، وأمرهم أن يدخلوا الظلمة ، وسار ذو القرنين في أربعة آلاف ، وأمر أهل عسكره أن يلزموا معسكره اثنتي عشرة سنة فإن رجع هو إليهم إلى ذلك الوقت ، وإلا تفرقوا في البلاد ، ولحقوا ببلادهم ، أو حيث شاءوا ، فقال الخضر عليهالسلام : أيّها الملك ، إنا نسلك في الظلمة ، لا يرى بعضنا بعضا كيف نصنع بالضّلال إذا أصابنا؟ فأعطاه ذو القرنين خرزة حمراء كأنّها مشعلة لها ضوء ، وقال : خذ هذه الخرزة فإذا أصابكم الضلال فارم بها إلى الأرض فإنّها تصيح ، فإذا صاحت رجع أهل الضّلال إلى صوتها. فأخذها الخضر عليهالسلام ومضى في الظّلمة ، وكان الخضر عليهالسلام : يرتحل ، وينزل ذو القرنين ، فبينما الخضر يسير ذات يوم ، إذ عرض له واد في الظّلمة ، فقال لأصحابه : قفوا في هذا الموضع ، لا يتحرّكن أحد منكم من موضعه. ونزل عن فرسه ، فتناول الخرزة ، فرمى بها في الوادي ، فأبطأت عنه بالإجابة حتى ساء ظنه أو خاف أن لا تجيبه ، ثمّ أجابته ، فخرج إلى صوتها فإذا هي على جانب العين التي يقفوها ، وإذا ماؤها أشد بياضا من اللبن ، وأصفى من الياقوت ، وأحلى من العسل ، فشرب منه ، ثم خلع ثيابه واغتسل منها ، ثم لبس ثيابه ثم رمى بالخرزة نحو أصحابه ، فأجابته فخرج إلى أصحابه ، وركب وأمرهم بالمسير فساروا.
ومرّ ذو القرنين بعده ، فأخطؤوا الوادي ، وسلكوا تلك الظلمة أربعين يوما وأربعين ليلة ، ثم خرجوا بضوء ليس بضوء نهار ولا شمس ولا قمر ،
__________________
(١) الخشخاش : كل شيء يابس إذا حكّ بعضه ببعض صوت. «المعجم الوسيط : ج ١ ، ص ٢٣٥».
(٢) قال المجلسي رحمهالله : فركة : أي لينة. بحيث يمكن فركها باليد ، البحار : ج ١٢ ، ص ٢٠٦.