فقال : «إنما فعل ذلك به لأنه لم يفارقهم لما فعلوا ذلك ، ولم يلحق بموسى ، وكان إذا فارقهم ينزل بهم العذاب ، ألا ترى أنه قال له موسى : (يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي)؟! قال هارون : لو فعلت ذلك لتفرّقوا ، وإني خشيت أن تقول : فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي» (١).
نرجع إلى رواية علي بن إبراهيم : قال له بنو إسرائيل : (ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) قال : ما خالفناك (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) يعني من حليهم (فَقَذَفْناها) قال : يعني التراب الذي جاء به السامريّ طرحناه في جوفه ثم أخرج السامريّ العجل وله خوار. فقال له موسى : (فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ)؟ قال السامري : (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) يعني من تحت حافر رمكة جبرئيل في البحر (فَنَبَذْتُها) أي أمسكتها (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) أي زيّنت.
فأخرج موسى العجل وأحرقه بالنار وألقاه في البحر ، ثم قال موسى عليهالسلام للسامريّ : (فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) ، أي ما دمت حيّا وعقبك ، هذه العلامة فيكم قائمة أن تقولوا : لا مساس ، حتى تعرفوا أنكم سامريّة لا يقربكم الناس. فهم إلى الساعة بمصر والشام معروفون ب (لا مساس).
ثمّ همّ موسى عليهالسلام بقتل السامريّ فأوحى الله إليه : «لا تقتله ـ يا موسى ـ فإنّه سخيّ». فقال له موسى عليهالسلام (انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً).
__________________
(١) علل الشرائع : ص ٦٨ ، ح ١.