قال : «ودخل الطاوس الجنّة ، وذكر للحيّة جميع ذلك فقالت : وما أحوجني وإياك إلى هذه الكلمات. قال الطاوس : قد ضمنت له أن أبعث بك إليه ، فانطلقي إليه سريعا قبل أن يسبقك سواك ، فكانت الحيّة يومئذ على صورة الجمل ، ولها قوائم ، ولها زغب مثل العبقريّ (١) ما بين أسود وأبيض وأحمر وأخضر وأصفر ، ولها رائحة كرائحة المسك المشاب بالعنبر ، وكان مسكنها في جنّة المأوى ، ومبركها على ساحل نهر الكوثر ، وكلامها التسبيح والثناء لله رب العالمين ، وقد خلقها الله تعالى قبل أن يخلق آدم عليهالسلام بمائة عام ، وكانت تأنس بحوّاء وآدم عليهالسلام ، وتخبرهما بكلّ شجرة في الجنّة.
فخرجت الحيّة مسرعة من باب الجنّة فرأت إبليس لعنه الله على ما وصفه الطاوس ، فتقدّم إليها إبليس بالكلام الطيّب ، وقال لها مثل ما قال للطاوس ، فقالت الحيّة : وكيف أدخلك ولا يحلّ لك ركوبي؟ فقال لها إبليس : إنّي أرى بين نابيك فرجة واسعة ، واعلمي أنّها تسعني ، واجعليني فيها وأدخليني الجنّة حتى أعلّمك هذه الكلمات الثلاث. فقالت الحيّة : إذا حملتك في فمي ، فكيف أتكلّم إذا كلّمني رضوان؟ فقال لها اللعين : لا عليك ، فإنّ معي أسماء ربّي إذا قلتها لا ينطق بي ولا بك أحد من الملائكة. فدخلت والملائكة ساهون عن محاورتهما ، غير أنّ حوّاء كانت قد افتقدت الحيّة فلم تجدها ، وكانت مؤتلفة بها لحسن حديثها ، والحيّة مع إبليس يحلف لها ويخادعها ـ قال ـ ولم يزل إبليس يحلف لها ويخدعها ، حتى وثقت به وفتحت فاها ، فوثب إبليس وقعد بين أنيابها ، وخرج منه ريح فصار نابها سمّا إلى آخر الأبد ـ قال ـ فضمّته الحيّة ودخلت الجنّة ، ولم يكلّمها رضوان للقدر والقضاء السابق بعلم الرّحمن ، حتى إذا توسّطت الحيّة الجنّة ، قالت له : أخرج من
__________________
(١) العبقريّ : ضرب من البسط. «تاج العروس ـ عبقر ـ ج ٣ ، ص ٣٧٩».