قال : «فلمّا سمع إبليس اللعين ذلك فرح فرحا شديدا ، وقال : لأخرجنّهما من الجنّة. ثمّ أتى مستخفيا في طرق السماوات. حتى وقع على باب الجنة ، وإذا بالطاووس وقد خرج من الجنة ، وله جناحان ، إذا نشر أحدهما غطى به سدرة المنتهى ، وله ذنب من زمرّدة صفراء ، وهو من الجواهر ، وعلى كلّ جوهر منه ريشة بيضاء ، وهو أطيب طيور الجنّة صوتا وتغريدا ، وأحسنها ألحانا بالتسبيح والثناء لله رب العالمين ، وكان يخرج في وقت ويمرّ صفح (١) السماوات السبع ، يخطر في مشيه ، ويرجّع في تسبيحه ، فيعجب جميع الملائكة من حسن صورته وتسبيحه ، فيرجع إلى الجنّة. فلمّا رآه إبليس دعا به بكلام ليّن ، وقال : أيّها الطائر العجيب الخلقة ، حسن الألوان ، طيّب الصّوت ، أي طائر أنت من طيور الجنّة؟ قال : أنا طاوس الجنّة ، ولكن مالك ـ أيها الشخص ـ مذعور ، كأنّك تخاف طالبا يطلبك؟ فقال إبليس : أنا ملك من ملائكة الصفيح (٢) الأعلى مع الملائكة الكرّوبيّين الذين لا يفترون عن التسبيح ساعة ولا طرفة عين ، جئت أنظر إلى الجنة وإلى ما أعد الله لأهلها فيها ، فهل لك أن تدخلني الجنّة وأعلّمك ثلاث كلمات ، من قالهنّ لا يهرم ولا يسقم ولا يموت؟ فقال الطاوس : ويحك ـ أيها الشخص ـ أهل الجنّة يموتون؟ قال إبليس : نعم ، يموتون ويهرمون ويقسمون إلا من كانت عنده هذه الكلمات. وحلف على ذلك ، فوثق به الطاوس ولم يظن أنّ أحدا يحلف بالله كاذبا ، فقال : أيّها الشخص ، ما أحوجني إلى هذه الكلمات ، غير أني أخاف أنّ رضوان خازن الجنان يستخبرني عنك ، لكن أبعث إليك بالحيّة ، فإنّها سيّدة دوابّ الجنّة».
__________________
(١) صفح كلّ شيء : وجهه وناحيته. «لسان العرب ـ صفح ـ ج ٢ ، ص ٥١٦».
(٢) الصّفيح : من أسماء السّماء. «النهاية ـ صفح ـ ج ٣ ، ص ٣٥».