العهد كلّه ، فقال : يا آدم ، أنت عندي أكرم من ملائكتي إذا أطعتني ورعيت عهدي ، ولم تكن جبّارا كفورا. وفي كلّ ذلك يقبل الأمانة والعهد ، ولا يسأل ربه التوفيق والعصمة ، وشهد الملائكة عليه.
ثم مكث آدم عليهالسلام وحواء مكلّلين متوّجين مكرّمين لمّا دخلا الجنة حتى كانا في وسط جنّات عدن ، نظر آدم وإذا هو بسرير من جوهر ، له سبعمائة قائمة من أنواع الجواهر ، وله سرادقات (١) كثيرة ، وعلى ذلك السرير فرش من السندس والاستبرق ، وبين الفراشين كثبان من المسك والكافور والعنبر ، وعلى السرير أربع قباب : فيه الرضوان والغفران والخلد والكرم ، فناداه السرير : إليّ يا آدم ، فلك خلقت ، ولك زيّنت. فنزل آدم عن فرسه ، وحوّاء عن ناقتها ، وجلسا على السرير بعد أن طافا على جميع نواحي الجنة ثم قدّم لهما من عنب الجنة وفواكهها فأكلا منها ، ثم تحوّلا إلى قبّة الكرم ، وهي أزين القباب ، وعن يمين السرير يومئذ جبل من مسك ، وعن يساره جبل من عنبر ، وشجرة طوبى قد أظلّت على السرير ، فأحبّ آدم عليهالسلام أن يدنو من حوّاء ، فأسبلت القباب ستورها ، وانظمّت الأبواب ، وتغشّاها وكان معها كأهل الجنّة في الجنّة خمسمائة عام من أعوام الدنيا في أتمّ السرور وأنعم الأحوال. وكان آدم عليهالسلام ينزل عن السرير ، ويمشي في منابر الجنّة ، وحوّاء خلفه تسحب سندسها ، وكلّما تقدما من قصر نثرت عليهما من ثمار الجنّة حتى يرجعا إلى السرير ، وإبليس (لعنه الله) خائف لما جرى عليه من طعنهم له بالحراب ورجمهم إياه ، وصار مختفيا عن آدم عليهالسلام وحوّاء ، فبينما هو كذلك وإذا هو بصوت عال : يا أهل السماوات ، قد سكن آدم وحوّاء الجنة بالعهد والميثاق ، وأبحت لهما جميع ما في الجنّة إلّا شجرة الخلد ، فإن قرباها وأكلا منها كانا من الظالمين».
__________________
(١) السرادقات : جمع سرادق ، ما أحاط بالبناء. «لسان العرب ـ سردق ـ ج ١٠ ، ص ١٥٧».